الياسق العصري
كتبها \مصطفى عبداللطيف عوض -عفا الله عنه
الحمد لله وكفى وصلاة
وسلاما على عباده الذين اصطفى وبعد؛ ففي أوقات الفتن يتمنى بعض الصالحين أن
يتوفاهم الله غير مفتونين ن لاسيما في هذه الأزمان التي اشتدت فيها رياح
الفتن ، فقد أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة أن النبي –صلى الله عليه وسلم-
قال"لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول : يا ليتني كنت
مكانه"، والفتن تحتاج إلى بصيرة ، والبصيرة أوسع من العلم ، فالعلم لاسيما
في أزماننا يحتاج إلى فهم للواقع ، فشتان الفارق بين فهم الأدلة وفهم
الواقع ، إذ أن فهم الأدلة دون فهم الواقع كمن يحدث الصم أو كالأخرس خطيبا
في قومه.استطاع جنكيز خان أن
يوحد الترك في عهد الدولة العباسية ، وجمعهم تحت شريعة اخترعها من شرائع
شتى من الإسلام والنصرانية واليهودية والبوذية والمجوسية، وسماه الياسق ،
وكان هذا الياسق ملئ بالأعاجيب التي لا حصر لها ، وقد حكم ابن كثير على كفر
من تحاكم للياسق ، وكذلك شدد الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على تفسير ابن
كثير على هذه المسألة . وذلك لأن لو أعتقد أي مسلم أن هناك حكما أفضل من
حكم الله كفر مصداقا لقوله تعالى " ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون" ،
والأعظم من ذلك أن يجبر الناس أن يتحاكموا لغير شرع الله ن والأخزى أن يلبس
على الناس أن هذا الياسق بما لا يخالف شرع الله.والياسق العصري الذي
يريد بعض الناس أن يجبروا الناس عليه هو ما يسمى بالدستور ، والتلبيس مستمر
، ولو نظرنا إلى مصدر كلمة الدستور مثلا ، أو متى كتب أول دستور لرأيت
العجب العجاب ، إنهم يقولون أن أول دستور مكتوب هي الصحيفة التي عاهد
الرسول الكريم اليهود بها ، وهيهات لهذا القياس أن يقوم ، فهذا عهد مع
شريعة مخالفة ، ولا زال الإسلام يضمن العهود، ولكنه الدستور كلمة غير عربية
أصلها فارسي معناها صاحب القاعدة ، ولو نظرنا إلى معناها عند أهل الغرب
لوجدنا معنى الدستور يقوم على البناء أو التأسيس، يعني بناء الدولة أو أساس
الدولة، وهو لفظ دخيل لم تعرفه الدولة الإسلامية ، بل عرفت الأمة في زخم
وضع الدساتير أن دستورها الإسلام ، وأن شرعها هو السابق ولا يعلو غيره
عليه.هذا السياق مهم ، في
معرفة أن أول دستور مكتوب بمعناه المعروف كان في أمريكا في نهاية القرن
الثامن عشر . ثم كان أعظم الدساتير المعروفة والتي لم تبدل الدستور الفرنسي
في بداية القرن التاسع عشر ، وعرفت مصر الدستور عام 1923م أي بعد دستور
فرنسا بقرن تقريبا وقد استرشدت مصر بالدستور الفرنسي ، إذا هل سمعتم عن
دستورا وضعه النبي إلى ان سقطت الخلافة ن إنما كان الحكم بما انزل الله –
وإن كانت تشوبه الشوائب – غالبا وحاكما ، إذا فتاريخية اللفظ تحتم على أن
يكون الدستور بشكل معين لم تعرفه الأمة ، إنما هو على النسق الفرنسي أو
الأمريكي ، وشعارات الثورة الفرنسية تكون متضمنة في الدستور بلا قيد ولا
رابط .لقد حارب أصحاب الاتجاه
الإسلامي شعارات الثورة الفرنسية لأنها تؤول في النهاية للعلمانية ، فهذه
الشعارات يريدونها على هواهم ، وبحكم الديمقراطية والليبرالية ، لا بحكم
الإسلام ن هذا أمر مهم لأنك لو قلت لأي فرد الدستور ، فمعناه أنه المواد
التي هي فوق القانون ، وصدق أحد العلماء عندما حذر من دخول أهل العلم هذه
الجمعيات التأسيسية لأن القرآن وحكم الله فوق كل شئ ، فكلمة الدستور متخيلة
في ذهن الناس بشكل معين يخالف كل المخالفة الشريعة الغراء .إذا
عندما يكون اللفظ معلوما وجب عليك الدخول في آلياته ، وهذه الآليات جحر ضب
كما قال النبي في الحديث عند البخاري وفيه " حتى ولو دخلوا جحر ضب
لدخلتموه "، وهنا ينبري المدافعون عن الياسق العصري قائلين : لقد استطاعوا
الإبقاء على مادة الشريعة ن نقول : ألم يحكم جنكيز خان بشئ من الشريعة ،
فهل منع أحد أن يكفر من تحاكم للياسق ، ألم ندرس أن الحكم بغير ما انزل
الله كفر؟!، لا لا يا علماء الدين ، لا تسقوا الشباب البارود ولكن اسقوهم
الماء المقطر.
الماء
المقطر هو شرع الله ، هو القرآن والسنة ن إنها وصية رسول الله " تركت فيكم
ما عن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا : كتاب الله وسنتي " لا لا يا رجال
الدستور لا نريد ياسقا عصريا ن وليست هي أخف الضرار كما يزعم بعض الناس ،
بل عن الضرر العظم في البعد عن الشرع ، وقد يلبس بعض الناس فيقول أليس من
الممكن أن يكون الدستور إسلاميا ، وفيه مواد تحد الحدود وتحفظ حقوق البلاد
والعباد.
الشرع
فيه تلك القوانين التي تريدونها ، ولا يلزمنا أن نقر بذلك في دستور ، إن
الدستور الذي يوضع يؤسس لدولة مدنية ، ليست مدنية في عرفنا ولا ذهننا ولكن
في عرف من دونوا الدساتير وهي الدولة العلمانية بلا ريب ، لا لا يا رجال
الدستور هل الديمقراطية من شرع الله ؟! هل حرية العقيدة من شرع الله ؟! وهل
وهل ونهل ؟! كل ذلك يحتاج إلى مطولات ، وأقسم بالله ووالله وتالله إنها
لفتنة !! لا وألف لا يا رجال الدستور -آسف الياسق!!