الحج دروس وعبر
عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده
ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات
أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم
عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أيها المؤمنون، عباد
الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله - تعالى - ومراقبته في السر والعلانية، فإن
مراقبته - جل وعلا - هي خير زاد يبلغ إلى رضوان الله؛ يقول الله - تعالى
-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا
أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197].
عباد الله:
وتقوى الله - جل وعلا -
أن يعمل بطاعة الله على نور من الله؛ رجاء ثواب الله، وأن يترك معصية الله
على نور من الله؛ يخاف عقاب الله، بهذا يحقق العبد تقوى الله - جل وعلا -
وينال بذلك عظيم موعود الله، وجزيل ثوابه الذي أعده للمتقين في الدنيا
والآخرة.
عباد الله:
إننا في هذه الأيام، وفي
هذه الديار نستقبل وفودًا كريمة، وضيوفًا أعزَّاء، يتوافدون من أنحاء
الدنيا وأقاصي المعمورة، ميممين بيت الله الحرام، قاصدين حج بيت الله؛
ليؤدُّوا شعيرة عظيمة وطاعة جليلة، ناداهم الله - جل وعلا - ودعاهم
لتحقيقها، فلبوا النداء وأجابوا الدعاء؛ يقول الله - جل وعلا -:
(وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ
ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ
لَهُمْ) [الحج: 27 - 28].
عباد الله:
فهاهم هؤلاء الوفود،
يتوافدون على هذه الدّيار المباركة، ملبين نداء الله، وإنهم لوفد كريم
عزيز، جاء في الحديث الذي رواه البزَّار في مسنده عن جابر بن عبد الله -
رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الحاج
والعمَّار وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم)).
إنهم حقًّا وفد الله -
جل وعلا - لأنهم قدموا لطاعته وجاؤوا لتحقيق عبادته، وقصدوا نيلَ مرضاته -
تبارك وتعالى - ولهذا - عباد الله - فإن حق هؤلاء عظيم، وواجبهم كبير
تجاه كل مسلم في هذه الديار كل في مجاله؛ المسؤول في مسؤوليته، والموظَّف
في وظيفته، والتاجر في تجارته، وصاحب المسكن في مسكنه، كلٌّ في مجاله وفي
ما يخصُّه، يجب أن يرعى لهؤلاء حقَّهم، وأن يعرف واجبه تجاههم، وإذا لم
ترعَ حقوق هؤلاء، ولم يعتنِ بتقديم الخدمات الطيبة، وتسهيل الأمور لهم،
فلمن تقدم الخدمات، ولهذا - عباد الله - الواجب على كل مسلم في هذه
الدِّيار أن يعتني بهؤلاء الحجاج كل في مجاله، ونسأل الله - جل وعلا - أن
يبارك في الجميع، وأن يعين الجميع كل فيما يخصُّه، أن يؤدي الواجب الذي
يعنيه تجاه هؤلاء، وأن يجنبنا جميعًا الخطأ في حقِّهم أو التقصير تجاههم.
عباد الله:
إن هذه الوفود المباركة
جاءت قاصدة بيت الله الحرام، بعد أن تكبَّد هؤلاء المشاق العظيمة والمتاعب
الكبيرة، وواجهوا مشاقًّا كثيرة من جمع المال، والتهيؤ للسفر والتغرُّب
عن الأوطان، وترك الأولاد والديار إلى غير ذلك.
عباد الله:
ثم هاهم وصلوا إلى هذه
الدّيار يقصدون بيت الله الحرام، فنسأل الله - جل وعلا - أن ييسر لهم
حجَّهم، وأن يعينهم على أداء طاعتهم، وأن يتقبل سعيهم، وأن يعيدهم إلى
ديارهم وذنوبهم مغفورة، وأعمالهم متقبَّلة وحجهم مبرور.
عباد الله:
إن الحجَّ هذه الطاعةُ
العظيمة التي يتوافد الناس لأدائها، عبادة جليلة من أجلّ العبادات
وأعظمها، جاء في فضلها وبيان عظم شأنها، وكثرة فوائدها في الدنيا والآخرة -
نصوص كثيرة في كتاب الله - جل وعلا - وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -،
ففي الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((الحج يهدم ما كان قبله))، وفي
الحديث الآخر يقول - عليه الصلاة والسلام -: ((الحج المبرور ليس له جزاء
إلا الجنة))، ويقول - صلى الله عليه وسلم -: ((من حج البيت ولم يرفث ولم
يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)).
عباد الله:
إن هذا الحج طاعة عظيمة،
فيها من الفوائد الكبار، والمنافع الغزار، والعوائد الحميدة التي يجنيها
حجاج بيت الله، فيها من الفوائد ما لا يُعد ولا تُحصى، فالله - جل وعلا -
يقول: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى
كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا
مَنَافِعَ لَهُمْ) [الحج: 27 - 28]. أذِّن فيهم بالحج؛ ليشهدوا تلك
المنافع، وفي هذا - عباد الله - إشارة إلى أن الحج فيه من الفوائد
العظيمة، والمنافع الكبيرة والعوائد الجمّة على حجاج بيت الله الحرام، ما
لا يُحاط به ولا تُحصى، إن الدروس العظيمة التي يتلقاها حجاج بيت الله
الحرام من خلال أدائهم لهذه الطاعة، وبَدءً من وصولهم إلى الميقات وانتهاء
بطواف سبعة أشواط ببيت الله الحرام؛ توديعًا للبيت من خلال هذه الأعمال
يمرون على فوائد عظيمة، ومنافع جمة لا يُحاط بها ولا تُحصى، إذا وصلت هذه
الوفود إلى الميقات يشتركون جميعًا في التجرُّد من المخيط، يلبس الرجال
إزارًا ورداءً أبيضين يستوي فيه الجميع؛ الرئيس والمرؤوس، والغني والفقير،
كلهم في لباس واحد وإلى مقصد واحد، وفي عمل واحد، ميممين بيت الله
الحرام، ويعلنون وهم في الميقات توحيدهم لله، "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا
شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك"، كل حاج يردِّد هذه
الكلمات، ويرفع بها صوته يلبي نداءَ الله، ويستجيب دعاءَ الله، ولنعلم -
عباد الله - أن هؤلاء الكلمات كلمات إيمان وتوحيد، وإخلاص وإذعان، ودخول
والتزام بطاعة الله - تبارك وتعالى - ناداهم إلى الحجّ، فقالوا: "لبيك
اللهم لبيك"؛ أي: استجبنا لندائك، وقُمْنا بتحقيق دعائك وامتثلنا أمرك يا
الله، ولهذا - عباد الله - على مَن قال في حجه: "لبيك اللهم لبيك" أن
يلبِّي نداء الله في كلِّ طاعة، وأن يستجيب لدعاء الله في كل عبادة، نادى
الله - تبارك وتعالى - عباده إلى الصلاة، وناداهم إلى الصيام وناداهم إلى
الزكاة، وأمرهم بالبر والإحسان، ونهاهم عن الفواحش والإثم والعصيان، وفي كل
ذلك يجب على المسلم أن يلبي النداء، وأن يدخل في طاعة الله - جل وعلا -
ثم في قولهم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك"، إخلاص لله - عز
وجل - في الأعمال كلها والطاعات جميعها، فكما أن الله - تبارك وتعالى -
المنعم وحده، والمتفضل وحده لا شريك له في شيء من ذلك، فيجب أن يفرد وحده
بكل أنواع الطاعة، فكما أنه لا يحج إلا لله ولا يقصد إلا بيت الله، فيجب
أن تصرف الطاعات كلها لله، فلا يصلى إلا لله ولا يُدْعَى إلا الله، ولا
يُستغاث إلا بالله، ولا يُتَوكَّل إلا على الله، ولا يُطلَب المدد والعون
إلا من الله، ولا يذبح إلا لله، ولا يصرف شيء من العبادة إلا لله، وهذا
معنى قول المسلم: "لبيك لا شريك لك"؛ أي: لا شريك لك في الطاعة، ولا ندَّ
لك في العبادة، ولا أُسَوِّي معك غيرك في شيء من ذلك.
عباد الله:
ثم تنطلق هذه الوفود إلى
أن يصلوا بيت الله العتيق، ويبدؤون أول ما يبدؤون بطواف سبعة أشواط حول
بيت الله الحرام، ملبّين بذلك دعاء الله، محققين بذلك قول الله - تبارك
وتعالى -: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج: 29].
يطوفون حول بيت الله
العتيق بذُل وخشوع وانكسار، وإذعان بين بيد الله، يتلون كلامه، ويذكرونه
ويدعون، ويناجونه - سبحانه -، وهنا يعلم الحاج أن هذه العبادة العظيمة
إنما شرعها الله - جل وعلا - حول بيته الحرام، ويعلم من خلال ذلك أن
الطواف في أي مكان في أنحاء الدنيا ليس من شرع الله، ولا من دينه - سبحانه
وتعالى - الذي أمر به عباده، وعندما يقبَّل الحاج الحجر الأسود، ويستلم
الركن اليماني، يفعل ذلك ممتثلاً لسُنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم -
وهو يعلم أن الحجر لا يضر ولا ينفع، فالنافع الضار هو الله - تبارك وتعالى
- ولكنه يفعل ذلك تأسِّيًا بالرسول الكريم - عليه الصلاة والسلام -،
ولهذا لما قبَّل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الحجر الأسود، قال كلمته
المشهورة: "أما والله، إني لأعلم أنّك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني
رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبِّلك ما قبلتك".
فالمسلمون يقبلون الحجر،
ويستلمون الركن اليماني، تأسيًا بالرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -
واقتداءً بِهَدْيِه، وترسُّمًا لخُطاه، ومن هنا يعلم كل حاج أن تقبيل أي
مكان في الدنيا؛ سواء الشبابيك أم الجُدُر أم الأضرحة أم غير ذلك، كلُّ
ذلك ليس من شرع الله، ولا من دينه الذي أمر به عباده وسُنَّه لرسوله - صلى
الله عليه وسلم -.
عباد الله:
ثم يتوجه الحجيج إلى
عرفات الله، فيقف الجميع في صعيد واحد يدعون الله - جل وعلا - وينادونه،
يقفون في أعظم أيام الدعاء وخيرها؛ يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((خير
الدعاء دعاء يوم عرفه، وخير ما قلته أنا والنبيُّون من قبلي: لا إله إلا
الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)).
وتأمّلوا - رعاكم الله -
خير أيام الدعاء هو يوم عرفة، في هذا اليوم الكريم المبارك يكثر النبي -
صلى الله عليه وسلم - والأنبياء من قبله من قول: لا إله إلا الله، وفي هذا
مناسبة عظيمة وموافقة كبيرة، فإن كلمة لا إله إلا الله هي أفضل الذكر،
ويوم عرفة هو أفضل الأيام، ولهذا كان - صلوات الله وسلامه عليه - يكثر من
أفضل الأذكار في أفضل الأيام، لا إله إلا الله هي سيد الأذكار، ويوم عرفة
هو سيد الأيام، ولهذا ناسب الإكثار من سيد الأذكار في سيد الأيام وهو يوم
عرفة.
عباد الله:
ثم يتوجه الحجيج من
شعيرة إلى أخرى إلى أن يصلوا في اليوم العاشر إلى منًى، فيؤدون فيه ما أمر
الله - تبارك وتعالى - من الطاعة والعبادة، ومن أعظم ذلك النحر الذي
اشتهر هذا اليوم باسمه، فهو يوم النحر، الحجاج في ذلك اليوم ينحرون لله
الهدايا، والمسلمون في أنحاء الأرض يتقربون لله بذبح الضحايا، فهو يوم نحر
لله، المسلمون كل قادر منهم يشترك في هذا اليوم بالذبح لله - عز وجل -
ذبيحة ينحرها لله يتقرب بها إلى الله، ويرجو بها رضوان الله، ومن هنا يعلم
المسلمون أن الذّبح عبادة لا يجوز صرفها لغير لله؛ (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:
162].
من هنا يعلم كل المسلم
أن الذبح لغير الله شرك، وصرف هذه العبادة لغير الله - تبارك وتعالى - شرك
بالله موجب للعنة، والوقوع في سخط الله - تبارك وتعالى -. جاء في الحديث
عن علي بن أبي طالب، قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لعن الله من ذبح
لغير الله))، وعندما يتقدم الحجيج إلى الجمرات لرمي سبع حصيات؛ اقتداءً
بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يتعلمون من خلال هذا العمل دروسًا عظيمة،
وعِبَرًا مؤثرة من أهمها - عباد الله - أن يعلم المسلم أن دين الله - جل
وعلا - وسط بين الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، أخذ - صلوات الله
وسلامه عليه - سبع حصيات هن مثل حصى الخذف، ورفعهن في يده وأراهن الناس،
وقال: ((أيها الناس بمثل هذا فارموا، وإياكم والغلو، فإنما أهلك من كان
قبلكم الغلو في الدين))، فالمسلم يحذر من الغلو والجفاء، ويتمسك بهدي
النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكون في أعماله كلِّها وطاعاته جميعها
متوسطًا معتدلاً، لا غلو ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط.
وهكذا - عباد الله - نجد أن الحجَّ مليء بالدروس العظيمة والعِبَرِ المؤثرة.
ونسأل الله - جل وعلا -
أن يوفق حجاج بيت الله للانتفاع بهذه الطاعة وللاستفادة منها، وأن يتقبل
منهم حجهم، وأن يغفر لهم ذنبهم، وأن يعينهم على كل خير؛ إنه ولي ذلك
والقادر عليه، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من
كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان،
واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه
أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرُا.
أما بعد:
عباد الله، اتقوا الله -
تعالى -، ثم اعلموا - رحمكم الله - أننا نستقبل أيامًا عشرة فاضلة، جاء
في فضلها والتنويه بشأنها نصوص عديدة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-، منها ما رواه الإمام البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما مِن أيام العمل فيها أفضل من هذه
العشر))؛ يعني: العشر الأول من ذي الحجة، قالوا: "يا رسول الله، ولا
الجهاد في سبيل الله"، قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه
وماله، ولم يرجع من ذلك بشيء)).
إنها - عباد الله - أيام
فاضلة عظيمة، ينبغي على المسلم أن يقْدُرها قدرها، وأن يحرص على طاعة
الله فيها، فإنها خير أيام الله، وفي هذه الأيام يوم عرفة الذي هو خير
الأيام.
عباد الله:
وفي هذه الأيام تجتمع
أمهات العبادات، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا تجتمع هذه الطاعة
في مثل هذه الأيام المباركة، ويستحب للمسلم في هذه الأيام أن يكثر من طاعة
الله، وأن يحافظ على عبادة الله، وأن يكثر من ذكر الله، وأن يكثر من بذل
الخير والإحسان، من بر الوالدين وصلة الأرحام، وتلاوة القرآن، وذكر الله -
تبارك وتعالى - إلى غير ذلك من الأعمال المباركة المقرِّبة إلى الله - جل
وعلا -.
ومن الأعمال العظيمة
التي يسن للمسلم أن يقوم بها في مثل هذه العشر، التقرب إلى الله - جل وعلا
- بذبح الضحايا، وهي سنة مؤكدة، وفي قول بعض أهل العلم إنها واجبة على كل
مقتدر. وينبغي كل مسلم أن يحرص عند تقرُّبه إلى الله - جل وعلا -
بالأضحية، أن يختار منها السليمة من العيوب؛ امتثالاً لسنة النبي - صلى
الله عليه وسلم -، وأن يراعي في ذلك السن الثابتة في سنة النبي - صلى الله
عليه وسلم -. وعلى من دخلت العشر وهو يريد أن يضحي ألا يأخذ من شعره
وبشرته شيئًا؛ لقوله النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دخلت العشر، فلا
يمسنّ أحد شعره وبشره بشيء))، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -؛ رواه
مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة - رضي الله عنها -.
وإنا لنسأل الله - جل
وعلا - أن يعيننا وإياكم على طاعته، والتقرب إليه بما يحب في هذه العشر
المباركة، وفي أوقاتنا كلها، ونسأله - جل وعلا - أن يعيننا وإياكم على
ذكره وشكره، وحسن عبادته.
واعلموا - رحمكم الله -
أن الكَيِّس من عباد الله من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من
أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
وصلوا وسلموا على محمد
بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال -
صلى الله عليه وسلم -: ((مَن صلى علي واحدة، صلى الله عليه بها عشرًا)).
اللهم صل على محمد وعلى
آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وبارك على
محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد
مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبي بكر الصديق،
وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي السبطين علي، وارض اللهم عن
الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا
معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام
والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين،
وأذل الشرك والمشركين، اللهم انصر من نصر الدين، اللهم انصر كتابك وسنة
نبيِّك - صلى الله عليه وسلم - وعبادك المؤمنين، اللهم آمنَّا في أوطاننا،
وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك
يا رب العالمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل
فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف ويُنْهى فيه عن المنكر؛ إنك على كل
شيء قدير، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى
وسدده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصّحة والعافية يا ذا الجلال
والإكرام.
اللهم وفق جميع ولاة أمر
المسلمين للعمل بكتابك واتباع سُنَّة نبيِّك محمد - صلى الله عليه وسلم -
واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو
عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي
إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل
شر.
اللهم اغفر لنا ذنبنا
كله؛ دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ما قدَّمنا وما
أخَّرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أسرفنا، وما أنت أعلم به منَّا، أنت
المقدم وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت، اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على
التائبين، واكتب الصحة والسلامة والغنيمة للحجاج والمعتمرين، ولعموم
المسلمين يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا إنا ظلمنا أنفسنا
وإن لم تغفر لنا وترحمنا، لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة
وفي الآخرة حسنة، وقِنَا عذاب النار.
عباد الله اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر لله أكبر والله يعلم ما تصنعون