ANGEL HEART ( إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْم
الديانة : الجنسية : بلادي وإن جارت عليّ عزيزةُ وأهلي وإن ضنوا عليّ كرامُ عدد المساهمات : 7806 العمر : 48 المهنة : معلم خبير لغة إنجليزية الابراج : الأبراج الصينية : نقاط : 186830 السمعة : 246 تاريخ الميلاد : 07/12/1975 تاريخ التسجيل : 29/03/2010 الموقع : https://fgec.ahlamontada.com/ العمل/الترفيه : Expert master of English المزاج : عبد ذليل لرب جليل
| موضوع: عبد الحكيم بلحاج.. من المطاردة إلى الصدارة .. كم في الزوايا خبايا وكم في الناس بقايا 2011-12-12, 7:00 pm | |
| كم في الزوايا خبايا وكم في الناس بقايا. من المطاردة إلى الصدارة عبد الحميد قطب | 12-12-2011 14:36 لا تكاد تقترب منه حتى تحس أنَّك أمام شخص آخر.. غير الذي كنت تسمع عنه قبل مقابلته؛ فالرجل يمتاز بهدوء كبير وصوت هادئ ولغته لغة اعتدال، عكس الشخصية التي يرسمها أي شخص لزعيم عسكري خاض حروبًا وعرة في أفغانستان والشيشان.
فعبد الحكيم بلحاج (رئيس المجلس العسكري للعاصمة الليبية طرابلس) هذا الوجه ذو اللحية السوداء البالغ من 45 عامًا الذي ساهم بأكبر قدرٍ في الدَّحْر البَرّي لكتائب القذافي.
والذي يراهن عليه أن يكون له دور في بسط الاستقرار والديمقراطية في ليبيا الجديدة، أم أنَّ معاركه القديمة في أفغانستان وشرق ليبيا، طيلة أكثر من خمسة عشر عامًا من التجارب الدامية، ستدفعه لجرِّ ليبيا إلى مزيد من الخطط السرية، مع أتباعه الجهاديين، من أجل فرض نظامٍ إسلاميٍّ متشدِّد كما كان يحلم منذ بدء نشاطه في جامعة طرابلس في مطلع الثمانينات.
بعد دخوله باب العزيزية ظهر بلحاج بوجه هادئٍ وحديث متعقِّل لا يعكس صورة رجل خطط للتخلص من القذافي طيلة نحو عقدين من الزمان، وقاتل مع المجاهدين الأفغان واخْتَبَأ في إيران وطاف في الكثير من الدول. ونفَى الرجل أمام الرأي العام العالمي القَلِق أيَّ علاقةٍ له بتنظيم القاعدة، وأعلن رغبته في دولة ديمقراطية.
لكن هل هذه الصورة مطمئنة لطلاب الدولة المدنية؟ يقول محمد فايز جبريل- مُمثِّل المؤتمر الوطني الليبي- عن لغة بلحاج: «من يُرِد تصدُّر المشهد السياسي لهذه الثورة يجد نفسه من الضروري أن يتحدث بلغة الاعتدال حتى يلقَى قبولاً في الداخل والخارج. حتى بالنسبة إلى مصر، في ثورة 25 يناير لم يكن أحد يستطيع أن يقول من بدايتها (إسلامية إسلامية)؛ لأن هذا لم يكن مقبولاً في بداية قيام الثورة وأثناء تفجُّرها».
على أي حال، ومنذ وقت طويل مضَى، كانت السيدات العجائز يتساءلن عما إذا كان هذا الصبي ذو الملامح البريئة قادرًا على معرفة كم بلدًا في هذه الدنيا. ومن جانبه كان الولد الصغير يصعد أعلى سطح المنزل ليحصي عدد البيوت دون أن يصل إلى آخرها.. هذا ما يتذكره محمد سعيد لاموها، ابن سوق الجمعة بطرابلس الذي كان يجاور أسرة بلحاج قبل أن يكبر الطفل بذكريات عن فظائع نظام الحكم الديكتاتوري للقذافي.
ومنذ مطلع الثمانينات بدأ بلحاج نشاطه كإسلامي ، في خلايا صغيرة في الجامعة، متأثرًا بالصحوة الإسلامية طغت على العالم العربي في أعقاب الهزيمة على يد إسرائيل عام 1967، وعدم قدرة انتصار 1973 على إعادة الأراضي المحتلة، إضافة إلى الفُرْقة العربية بعد صلح مصر مع إسرائيل، وكذلك الحملة الشرسة التي قادها القذافي للقضاء على أنشطة الحركة الصوفية في مدن درنة والبيضاء وبنغازي وغيرها، باعتبار أنَّ الصوفية ترمز لفترة حكم الملك إدريس السنوسي.
بلحاج مثَّل ملايين من الطلاب العرب بالمدارس الثانوية، كان يتابع في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات خطب شيوخ السلفية والحركات الإسلامية المعارضة للرئيس المصري السابق أنور السادات،على الرغم من أنَّ الثقافة الإسلامية السائدة في ليبيا كانت أقرب إلى «الصوفية» منها إلى الثقافة الإسلامية السلفية.
منذ تلك المرحلة المبكرة للشُّبَّان في طرابلس وغيرها، كما يقول لاموها في اتصالٍ عبر الهاتف من العاصمة الليبية، كانت الإحباطات تتوالَى، «حلم القومية يتهاوى.. خطب الطلاب في الأنشطة المدرسية ممنوعة. طلاب معارضون للقذافي يُعْدَمُون في الجامعة ظهرًا».
في ذلك الوقت، أي في مطلع الثمانينات، كان بلحاج ينظر حوله للشبان الليبيين وهم يغرسون بذورًا لجماعات إسلامية واحدة بقيادة رجل يدعى الزواوي، وأخرى بزعامة قيادي يدعى العشيبي. ويضيف لاموها: «كان جو رعب..». وعاش بلحاج هذه التجربة مما يراه ويسمعه ويقرأه عن قضايا محلية وإقليمية ودولية عن فلسطين وأفغانستان وأمريكا وإسرائيل وموسكو الشيوعية، حتى قبل أن يبلغ الثامنة عشرة. فبدأ يدرك أنَّ العالم أكبر بكثير من المبانِي المنتشرة حول منزل أسرته.
يزيد لاموها، وهو ذو توجهات ناصرية قومية، قائلاً: «إنَّ أحدًا ممن عرفوا بلحاج في الصغر لم يكن يتخيَّل أن تدور به الأيام ليظهر على شاشات التلفزة كمحرِّرٍ لطرابلس وقائدٍ لمجلسها العسكري». ويضيف: «لم يكن من أولئك الصغار المشاغبين الذين تتوقع لهم مستقبلاً كهذا، ومع ذلك.. وبعد أشهر أخرى، أي حين تهدأ الثورة ويبدأ العمل في بناء الدولة الليبية الجديدة، لا يمكن أن يتقبل الليبيون من سيظلّ متمسكًا بالأفكار الجهادية والتكفيرية. نضالنا مستمر من أجل دولة قانون مدنية».
حين ظهر بلحاج بنظراته الخجولة على الملأ في باب العزيزية منتصرًا، بدأ العالم على الفور التفتيش في أوراقه القديمة بداية من خروجه عام 1988 من ليبيا وانخراطه في «الجماعة الإسلامية المقاتلة»، بهدف «القضاء على حكم القذافي» باعتباره مخالفًا للدين ولا يحكم بحكم الإسلام، وذلك في أكبر موجةِ عنفٍ مسلح ما زالت بعض آثارها باقية حتى الآن.
كان بلحاج يقاتل الشيوعية في كابل أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، وكان الشبان الليبيون يتداولون قصص المجاهدين الليبيين هناك، الذي كان يُقدَّر عددهم بنحو ألفين وخمسمائة مقاتل. ورغم الإعدامات للناشطين المعارضين للكتاب الأخضر من مختلف التوجهات داخل ليبيا، فإنَّ الشبان المتحمسين تمكنوا من استلهام تجربة المجاهدين العرب الذين يكافحون ضد «الشيوعيين والملحدين».
على هذه الأرضية الخطرة، وبينما كان بلحاج ما زال على جبهة الجهاد في الجبال الأفغانية، تأسَّست حركات إسلامية جهادية صغيرة لكنها متعددة تُشْبِهُ، إلى حدٍّ ما، ما كان في مصر من جماعات إسلامية تكفِّر الحاكم وتدعو للخروج عليه، منها حركة الشهداء الإسلامية عام 1989، وبدأ البعض من الفارّين من نظام القذافي يشجعون مثل هذه الحركات.
لكن قوات القذافي سارعت بسَحْق هذه الحركات بلا رحمة في عمليات مطاردةٍ ودَهْمٍ، وفجرت خلالها عدة بيوت على رأس أصحابها، كانت الأخبار تطير إلى بلحاج في أفغانستان عن اعتقالات وقتل عشرات آخرين، بعضهم ما زال مصيره مجهولاً، وفرَّ البعض الآخر ليلحق بالجهاد في أفغانستان. واعتقد رجال الاستخبارات وقادة اللجان الثورية أنَّ مهمة القضاء على خطر الإسلاميين قد نجحت.
يقول مقاتل ليبي سابق، يكنَى بأبي الوليد، عاد مؤخرًا لليبيا: إنَّه التقى بلحاج في معسكر قرب خوست بأفغانستان في أشهر الجهاد الأخيرة ضد السوفيات، وإنه كان يبدو كمن كوّن لنفسه شخصية مجاهد لها اعتبار في أوساط الأفغان والعرب الآخرين. يقول: «كانت له طريقة خاصة في تفسير مسألة الجهاد»، مشيرًا إلى أنَّ غالبية المقاتلين الليبيين الذين كانوا يُشكِّلون معه معسكرًا خاصًّا بهم، ينحدرون من درنة ومصراتة وبنغازي وطرابلس، و«كانوا معه في باب العزيزية».
بالعودة إلى مسيرة التجارب التي مرَّ بها بلحاج، فإنَّ رده انطلق من جبال أفغانستان على ما قام به القذافي من «بطش» بحق الإسلاميين، حيث أعلنت «الجماعة الليبية المقاتلة» عن نفسها من الخارج سنة 1989 بشكل صريح وحدَّدت أفكارها التي بدت قريبة الشبه بأفكار الجماعة الإسلامية في مصر في وجوب الخروج على الحاكم الذي لا يطبِّق شرع الله.
بعد قضاء «المجاهدين» على الوجود السوفياتي في كابل، كان بلحاج ضمن مجموعة مجاهدين ليبيين وعرب رفضوا الاستمرار في القتال مع بعض فصائل المجاهدين الأفغان ضد بعضهم الآخر.
يقول أبو الوليد: «أعتقد أن بلحاج، أثناء فترة وجوده الأولى في أفغانستان، تعلم من القيادي الأفغاني برهان الدين رباني طريقته في تنظيم الجمعية الإسلامية من أبناء القبائل، لإقناعهم بالجهاد ضد الكفار. لكنه، ورغم علاقته القوية مع قيادات بالجهاد الأفغاني رفض القتال ضد فصائل أخرى منشقة عن المجاهدين، وبدأ، مثل الآلاف من العرب، البحث عن مأوى بديل عن الوطن الأم الذي كانت أنظمة الحكم فيه تترقّب عودة (العرب الأفغان) للقبض عليهم قبل أن ينخرطوا في جهاد محلي، مع الإسلاميين الآخرين ضد الدولة».
من أفغانستان توجه بلحاج عبر الحدود إلى باكستان ثم تركيا، محملاً بتجارب في فنون القتال والابتلاء والصبر اكتسبها من قادة ميدانيين ودعاة، منهم أسامة بن لادن وعبد الله عزام وحكمتيار وغيرهم من المجاهدين. وانتقل بعدها إلى السودان بحدودها المتاخمة لليبيا، حيث دروب المهربين والانفصاليين، ومنها عاد إلى بيته متخفيًّا عام 1994.
هنا أدركت السلطات الأمنية الليبية أنَّ العشرات من الليبيين الأفغان تمكّنوا من التسلل ودخول البلاد. وسريعًا ما تبينت السلطات، وفقًا للمسئول الاستخباراتي السابق، أنَّ محاولة القضاء على الإسلاميين في 1989 رغم قسوتها وشدتها «لم تكن إلا عملية دهس للذيل لا الرأس».
أبو الوليد، الذي رجع من منفاه الاختياري في إيطاليا، ليقاتل ضمن ثورة 17 فبراير، قال: إنّ بلحاج كان لديه حسّ عفوي بمكمن الخطر. ولدى عودته من أفغانستان اختَبَأ لدى جماعة شبابية جهادية كانت مفتونة بأخبار انتصارات المجاهدين في أفغانستان. ويضيف أنَّ بلحاج شارك في عملية جمع وتنسيق مثل تلك التي قام بها رباني.. وتَمَّ الاتفاق في لقاءات بالجبل الأخضر وفي أحواش الأخوة ببنغازي على القيام بعملية كبيرة انتقامًا من القذافي.
يقول أبو الوليد: «في التحضير للتخلص من النظام بعد عودته في 1994 لم يكتفِ بلحاج بالأخوة الملتزمين. كانت له ولبعض الإخوة لقاءات وترتيبات مع أبناء قبائل كانت ذات شأن أيام حكم الملك، وقهرها القذافي لسنوات. وتمكن بلحاج من زرع جواسيس داخل معسكر للجيش في القيادة الشرقية، وفي المثابة الثورية (التي كانت تمثل جوهر نظام القذافي)» هناك، مشيرًا إلى أن هذه الطريقة تقريبًا اتبعها بلحاج في تحرير طرابلس، بالتنسيق مع طائرات حلف الناتو.
الفرق الزمني، بحساب الملاحقات والاقتتال، كبير جدًّا؛ ففي فترة مشاركة بلحاج في إعداد الجهاديين في 1994 و1995 لم يكن موعد خطة المواجهة مع النظام قد بدأ بعد. لم تكن الجماعة الإسلامية المقاتلة تريد أن تعمل ضد نظام القذافي إلا بعد الاستعداد التام، و«ضمان النصر». يوضِّح أبو الوليد أنَّ هذا أسلوب بلحاج، مشيرًا إلى أن التركيز كان على «تشكيل خلايا». كانت الخطة ما زالت في المهد وتحتاج إلى وقتٍ ونَفَسٍ طويليْن قبل التنفيذ. لكن حدث خطأ يعتقد أبو الوليد أن بلحاج استفاد منه في معركة طرابلس، وهو ضرورة «الكمون والبعد عن الظهور في وقت الشدة مع التحضير لتوجيه ضربة شديدة في الوقت المناسب».
في دولة محكومة بالحديد والنار كان مشهد القصر الذي بني فجأة عام 1994 على طريق مدخل بنغازي، لافتًا لانتباه العابرين من ذلك الطريق، فما بالك بأجهزة القذافي؟ قصر بناه رجل ثري من الليبيين يدعى «بو الرايقة». وأنشأ فيه مسجدًا، وبينما كانت السلطات تراقب وتتنصت، كان الجهاديون الذين يترددون على القصر، ومنهم كوادر بالجماعة الإسلامية المقاتلة، قد أصبحوا، دون أن يدروا، تحت أعين الاستخبارات والأمن الداخلي واللجان الثورية وغيرها من الأجهزة الأمنية.
تَمَّ تطويق القصر والقبض على من فيه وتفجيره بالديناميت وتسويته بالتراب. ومن المعلومات التي انتزعتها السلطات انكشف أمر الخطة، وتعلم بلحاج درسًا جديدًا، وهو يجد نفسه مضطرًا مع رفاقه إلى خوض معركة قبل أوانها، ما كبَّد الجماعة خسائر كبيرة جعلت السلطات تعتقد مجددًا أنه لن تقوم للإسلاميين قائمة مرة أخرى، خصوصًا بعد أن تَمَّ قصف أنصار بلحاج الذين كانوا يتحصنون في بعض المبانِي في درنة وبنغازي وفي وديان الجبل الأخضر، بالطائرات والمدفعية، وشنّ حملة اعتقالات. واستمرَّ الكرّ والفرّ بينهما حتى ما بعد عام 1996 بقليل، حيث تَمّ الزجّ بنحو ثلاثة آلاف من الإسلاميين الذين أصبحت السلطات تطلق عليهم لقب «الزنادقة» في السجن.
ورغم تنفيذ الجماعة محاولات لاغتيال القذافي فإنَّ السلطات لم تعلم إلا بعد وقت طويل أن بلحاج غادر ليبيا وعاد إلى أفغانستان، لينضمَّ إلى المجاهدين الليبيين هناك، وليضع عليه الرجال مسؤولية الإعداد انطلاقًا من جبال الأفغان، لمرحلة جديدة من الجهاد ضد حكومة القذافي «الطاغوتية» و«الكافرة» و«المرتدة»، وتَمَّ مبايعته كأمير للجماعة الإسلامية المقاتلة.
في هذا الوقت من أواخر التسعينات كانت عمليات الجهاد التي ظلّت تستهدف الوجود السوفياتي في أفغانستان تقع هنا وهناك، وتهدّد العالم، وتجعل الحكومات تتشدد في ملاحقة المشتبه بهم. وسريعًا عاد كثير من العرب- ممن وجدوا خطرًا في العودة إلى بلادهم أو الاستقرار في بلاد أخرى- إلى أفغانستان، مستفيدين من حكم طالبان الإسلامي. وتشكل هناك تنظيم القاعدة، لكن بلحاج رغم معرفته بأسامة بن لادن عن قُرْب رفض المنهج الفكري الذي يقوم عليه التنظيم في مسألة استهداف «اليهود والنصارى».
في ليبيا ساد الهدوء بعد مذبحة سجن أبو سليم التي قُتِل فيها نحو ألفي سجين غالبيتهم من الإسلاميين، واستمرَّت حملة واسعة لتطهير البلاد من المتشددين، كان آخرها عملية اعتقال كبرى لكل من يشتبه في تعاطفه مع الجماعات الإسلامية. وللمرَّة الرابعة تشعر السلطات الليبية أنَّها استراحت من هذه الجماعات، حيث قال القذافي في سنة 1999: إن «الأفغان العرب الذين دربتهم أمريكا على القتل وزرع القنابل تَمَّ القضاء عليهم.. معظمهم قُتِل أو اعتقل».
ويقول أبو الوليد: «ظلَّ بلحاج في أفغانستان محتفظًا بشخصيته مع الأخوة الليبيين الذين كانوا يتدربون معه.. كان لهم هدف واحد.. العودة إلى ليبيا، والتخلص من القذافي. كان هناك كثير من قادة الجهاد العرب في أفغانستان من جزائريين ويمنيين وفلسطينيين، غير مشغولين بالجهاد العالمي (مدرسة ابن لادن) ولكن بالعودة للجهاد في بلادهم، بينما كان ليبيون آخرون من الجماعة المقاتلة قد انضمُّوا بالفعل إلى (القاعدة)، منهم أبو يحيى وأبو الليث وأبو فرج».
لكن تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) في الولايات المتحدة غَيّرت خطط المجاهدين العرب وأجبرتهم على الفرار مجددًا مع بداية الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001. وانتقل بلحاج، مثل مئات من المجاهدين العرب، ومنهم مصريون، إلى جنوب شرقي آسيا، وطاف بنحو عشرين دولة، لكنه وجد لفترة من الوقت غير معروفة ملاذًا آمنًا في إيران. وكانت إيران توفِّر سكنًا وراتبًا شهريًا لمن لجأ إليها من الإسلاميين الفارّين وقتذاك، وفقًا لما أفاد به محمد ياسين الذي يتولّى الإشراف على ملف الجماعات الإسلامية المصرية.
يضيف أبو الوليد أن بلحاج لم يكن مطمئنًا للاستمرار في الوجود في إيران، ولهذا واصل الترحال والتنقُّل في الدول المحيطة بها من ناحية الشرق، إلى أن وقع في الأسر من المخابرات الأمريكية، وتَمَّ تسليمه لنظام القذافي في عام 2004، في ظروف لا تزال غامضة.
تَمَّ الزج بالرجل مع مَن تبقى من السجناء الإسلاميين في سجن أبو سليم، داخل القاطع (القسم) الانفرادي المجاور للقواطع التي شهدت الإعدام الجماعي للسجناء عام 1996، على خلفية الخطة التي تسبب في كشفها قصر «بو الرايقة» قبل سنوات.
في عامي 2004 و2005 برز نجم سيف الإسلام نجل القذافي كإصلاحيٍّ مرشح للعب دور تصالحي بين نظام والده ومعارضيه من كل التيارات، لكن كان أبرز هذه التيارات الجماعة الإسلامية المقاتلة. كان الشرط إجراء مراجعات فكرية مثل تلك التي قامت بها الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد بمصر. وكانت مواقف الجماعة المقاتلة في السابق تشجّع المسئولين وتقنعهم بأن تنظيم بلحاج مختلف عن تنظيم القاعدة وأتباعها في المغرب العربي المجاور.
أسفرت مراجعات بلحاج وقطاع كبير من جماعته داخل السجن عن الالتزام أمام الدولة الليبية بـ«منهج إسلامي معتدل»، مقابل شروط، منها الإفراج عن باقي السجناء الإسلاميين، وتَمَّ بالفعل الإفراج عن نحو 214 سجينًا.
ويضيف أبو الوليد أنَّ «عدم الاتفاق حول موضوع المراجعات بين مساجين الجماعة الإسلامية المقاتلة وبلحاج تسبَّب في خلاف بينهما منذ عام 2009، وأعتقد أنَّ خطة تحرير طرابلس التي قادها بلحاج كافية لتفهُّم الأمر من هذا الجانب أو ذاك.. الكل الآن حرّ فيما يريد أن يقوله سواء كانوا إسلاميين أو ناتو أو عسكريين ليبيين».
يقول محمد فايز جبريل: إنّ «طبيعة الشعب الليبي هي التي تحدد من يخاطبه، كما أنَّ بلحاج ليس مُنظِّر الثورة ولا فيلسوفها، بل هو متفاعل معها، وبالتالي الثورة عبرت عن مكنون الشعب الليبي، خصوصًا في مكنونه العقائدي المعتدل. الثورات لا يستطيع أحد أن يُلَوِّنها، لأنها ليست ثورة مصطنعة، ولكنها عبرت بعفوية شديدة عن الشعب الليبي».
قاد بلحاج خطة تحرير طرابلس تحت اسم «عروس البحر»، وتمكن من اقتحام باب العزيزية، وهو يصيح: «الله أكبر.. الله أكبر»، وكأنه يريد أن يجيب عن سؤال تلك السيدة الطرابلسية العجوز، قائلاً لأهل العاصمة: إنه أصبح يعرف كم عدد بلدان الدنيا.
المصدر: الإسلام اليوم | |
|