كيف تقود قطيعا من الأغنام ؟
===============
في العام الماضي و أثناء جولة قصيرة في الريف رأيت راعياً يسند رأسه على
جذع شجرة زيتون و ينام ملء جفنيه ، و حوله أغنامه ترعى في حيّز معيّن من
حقل لا سور له ، لا تخرج عنه . سألته عن قدرته الغريبة في السيطرة على هذه
الأغنام، وعن الهدوء والاطمئنان الذي يجعله ينام وقطعانه ترعى بعيدا عنه
دون أن تفكر بالفرار بعيدا عن سيطرته. قال لي : فن قيادة الأغنام توارثته
أبا عن جد ، و سأخبرك بسر مصلحتنا : الأمر يستلزم عناصر ثلاث : حمار و كلب و مرياع ..
- الحمار :
====== بسكينته و هدوءه و بطء حركته يقف وسط القطيع و يوحي للأغنام انه
عظيم حكيم واثق بنفسه ، فتنساق خلفه على الرغم من أنه مجرد حمار .
- الكلب :
====== ويكون عادة من نوع محدد يسمى (الجعيري ) وهو كلب لا أصل معروف له ،
منذ ولادته يقوم الراعي يقطع أذنيه وإطعامها له فيدرك قدرة الراعي على
إيلامه بشدة ، يبقيه الراعي جائعا بشكل دائم وإذا ما ذبح خروفا يطعمه بقايا
اللحم و العظم ، وفاؤه للراعي مصدره الخوف من بطشه , فإذا ما فكر خروف
جسور بالخروج على نهج القطيع والتمرد على الراعي يهاجمه بشدة , علما أن هذا
النوع من الكلاب يعوي ولا يعض .. ويوهم القطيع أنه شديد الوحشية وبمجرد أن
ترفع حجرا في وجهه يضع ذنبه بين ساقيه ويولي هاربا .
- المرياع :
====== فهو كبش عظيم مهيب ذو قرون جبارة وبدن ضخم منظره يثير الخوف في
نفوس القطيع ، يحمل جرسا ضخما حول رقبته يثير ضجة كبيرة لا معنى لها و
لكنها تلفت النظر إليه باستمرار ، في الواقع هذا الكبش مخصي و لا يكون
الكبش مرياعا الا بعد ان يُخصى و تذهب رجولته لينقاد بسهولة للراعي و يفقد
عنفوانه و تمرده ، و هو معد ليكون مثالا يحتذى لبقية أفراد القطيع ، فإذا
ما رأت الأغنام هذا الكبش العظيم بهذا الإنقياد انعدم عند أفرادها أية رغبة
بالتمرد على الراعي .
و من هنا :
====== لا أرى في هذه القصة سوى إسقاطاً على واقعنا المرير الذي عشناه قبل انطلاقة ثورتنا الكريمة ..
فالقيادة الجكيمة من المقبور حافر إلى الزرافة بشار لا يمثلان سوى الحمار الذي يتوسطنا ويوهمنا بحكمته ورباطة جأشه .
والكلب الجعيري .. هو هذه المؤسسة العسكرية و الأمنية التي لا تقوى على تحرير الجولان لكنها توهمنا ببطشها وجبروتها .
وهذا المرياع هو أكذوبة المقاومة والممانعة .. التي طبلت آذاننا وأثقلت كاهلنا .
نعم إنها ثورة .. استيقظت بعد استقرار المقابر الذي دام أربعين سنة .
نعم إنها ثورة .. أحيت في نفوسنا الكرامة والعنفوان .. بعد ذل وخنوع دام أربعين سنة .
نعم إنها ثورة .. فجّرت فينا طاقاتنا العظيمة وإمكانياتنا اللامنتهية .. وبها و بإذن الله تعالى سنسقط كل تخاذل