رسالة المسجد عبر التاريخ أبو بكر القادري " وتأسست أول جامعة علمية في العالم . . وكانت هي جامعة القرويين بفاس من المملكة المغربية . المبتناة سنة 245 هـ الموافق 859 ميلادية . فكانت مركزا للعلوم على اختلاف أنواعها وبقيت مركزا للإشعاع الإسلامي لا
بين المسلمين فحسب بل كان يقصدها حتى الأجانب المسيحيون ، أمثال الراهب " جيربير " الذي تبوأ منصب البابوية وغدا اسمه " سيلفيستر الثاني " و " ملينار " من جامعة " لوفان " و " كيوليوس " من جامعة لندن . . ثم كانوا بعد أساتذة الاستشراق في أوروبا . . " .
|
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 502) |
|
لقد كان المسجد منذ عهد الرسول -عليه السلام- ، المنطلق الأول للدعوة
الإسلامية والمركز الأساسي الذي شعت منه رسالة محمد -عليه الصلاة والسلام-
.
والمسجد لغة اسم لمكان السجود ، ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم- :
جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، قال الزركشي : كل مكان يتعبد فيه فهو مسجد . وقال تعالى :
قال المفسرون : المساجد واحدها مسجد ، أي موضع السجود للصلاة والتعبد ، ويدخل فيها الكنائس والبيع ومساجد المسلمين . وعن قتادة
: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله معبودات
أخرى ، فأمرنا بهذه الآية أن نخلص لله تعالى الدعوة إذا دخلنا المسجد .
وقال الزركشي
: السبب في اختيار كلمة المسجد لمكان الصلاة ، أنه لما كان السجود أشرف
أعمال الصلاة لقرب العبد من ربه ، اشتق اسم المكان منه فقيل مسجد ، ولم
يقولوا مركع ، ثم إن العرف خصص المسجد بالمكان المهيأ للصلوات الخمس .
المسجد منذ أسسه سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن مركزا
للعبادة والتعبد ، والصلاة والتهجد فحسب ، وإنما كان بالإضافة إلى ذلك
مكانا وناديا يلتقي فيه المسلمون لتدارس أحوالهم وقضايا مجتمعهم ، وما يعرض
لهم في حياتهم من مشاكل وقضايا .
ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجلس بالمسجد النبوي بالمدينة المنورة
لتعليم المسلمين دينهم ، وتبصيرهم عاقبة أمرهم ، حتى كان مجلسه تنافسيا
بين الصحابة -رضوان الله عليهم- كلهم يبتغي السبق إلى حضور هذا المجلس
النبوي ،، والظفر بالإنصات إلى الذي لا ينطق عن الهوى . ولقد كان جلوسه
-عليه السلام- عند موضع الاسطوانة المسماة اليوم اسطوانة التوبة
، وهي كائنة في الروضة الشريفة وهي اليوم الاسطوانة الرابعة فيما بين المنبر النبوي
وبين الحجرة المشرفة ، فكان -صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الصبح انصرف إلى
ذلك الموضع فحلق أصحابه به حلقا بعضها دون بعض ، أي بعضها أضيق من بعض ،
فيتلو عليهم ما أنزل من القرآن من ليلته ، ويحدثهم إلى طلوع الشمس ويسألونه
عما يعرض لهم ، ففي صحيح الإمام البخاري من حديث أبي موسى الأشعري
جاء رجل وهو قائم فقال : يا رسول الله ، ما القتال في سبيل الله؟ فرفع
رأسه إليه وقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله . وفي الصحيح أيضا
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينما هو جالس في المسجد والناس معه ،
إذ أقبل ثلاثة نفر فأقبل اثنان منهم إلى رسول الله ، فوقفا ، فأما أحدهما :
فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها ، وأما الآخر فجلس خلفهم ، وأما الثالث
فأدبر ذاهبا ، فلما فرغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الكلام قال :
ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ، أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه ، وأما الآخر
فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه . ولعله كان من المنافقين والعياذ بالله .
|
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 503) |
|
ولقد كان الصحابة بنوا لرسول الله دكة من طين يجلس عليها ، ليعرفه الغريب إذا
دخل المسجد ، وكان تعليمه الناس على طريقتين ، أولاهما : وهي الأكثر ، أن
يعلن على حاضري مجلسه من القرآن والتربية الخلقية والمواعظ وأخبار الأنبياء
السابقين . والثانية : جوابه عن أسئلة السائلين المسترشدين ، وما يدور
بينه وبين أصحابه من أطراف الحديث .
وسار الصحابة الكرام سيرته -عليه السلام- في بث العلم في المسجد ، ونشر القرآن وإفتاء الناس في ما يقع لهم من أحداث ، فعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال :
كنت أعلم القرآن رجلا من أهل الصفة ، فأعطاني قوسا أجاهد بها ، فسألت عنه
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال لي : إذا كنت تريد أن يطوقك الله بقوس
من نار فاقبله ، ولعله -صلى الله عليه وسلم- أراد لعبادة بن الصامت أن يكون تعليمه أخاه لله ، دون أجر أو عوض دنيوي . وعن ابن عباس كنت أقري رجالا من المهاجرين ، أي القرآن منهم عبد الرحمن بن عوف .
ومن الذين قاموا بمهمة التعليم من أصحاب رسول الله : عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وأنس بن مالك ، وعبد الله بن عمر ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وعائشة أم المؤمنين ، وأبو هريرة ، وعبد الله بن عباس ، وأبو موسى الأشعري ، -رضي الله عنهم- أجمعين .
وسار مسلكهم واتبع خطتهم في التعليم من التابعين أمثال : سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وسالم مولى عبد الله بن عمر ، وابن جريج ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير وكانت مجالسهم العلمية ، تعقد بالمساجد .
واستمر الحال على ذلك زمن التابعين ، وتابعي التابعين ، ففي الموطأ عن أبي بكر بن عبد الرحمن أحد فقهاء المدينة
من كبار التابعين أنه كان يقول : من غدا إلى المسجد ليتعلم خيرا أو ليعلمه
، ثم رجع إلى بيته كان كالمجاهد في سبيل الله ، رجع غانما .
ولقد كان الإمام مالك بن أنس يتتبع خطى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فلقد ورد أنه كان يجلس في أول انتصابه للعلم بالمسجد ، وكان موضعه في المسجد النبوي الاسطوانة التي أشرنا إليها سالفا ، والمعروفة باسطوانة التوبة .
وتتابعت الدروس بالمساجد في مختلف الأصقاع والأنحاء الإسلامية ، قال القاضي عياض اليحصبي السبتي -رحمه الله- في كتابه المدارك : قال القنازعي : دخلت مسجد عمرو بن العاص الفسطاط ، وفيه من المجلس المالكية في الفقه والحديث نحو عشرين حلقة .
|
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 504) |
|
وتأسست أول جامعة علمية في العالم ، وكانت هي جامعة القرويين بفاس من المملكة المغربية
، المبتناة سنة 245 هجرية الموافق 859 ميلادية ، فكانت مركزا للعلوم على
اختلاف أنواعها ، وتخرج منها العدد العديد من العلماء الأفذاذ ، والشيوخ
الأجلاء ، وبقيت مركزا للإشعاع الإسلامي ، ونشر جميع أنواع المعرفة
الإنسانية ، لا بين المسلمين فحسب ، بل كان يقصدها حتى الأجانب المسيحيون ،
أمثال الراهب " جيربير " الذي تبوأ منصب البابوية وغدا اسمه " سيلفيستر الثاني " و " ملينار " من جامعة " لوفان " " وكيوليوس " من جامعة لندن . . ثم كانوا بعد أساتذة الاستشراق في أوروبا .
فجامعة " القرويين
" قامت بدورها في نشر الثقافة الإسلامية وغير الإسلامية من أنواع الثقافات
وكانت أساسا مسجدا يقصده المصلون والمتعبدون ، والتالون لكتاب الله العظيم
، ومن الطريف أن نذكر أن الذي بنى هذه الجامعة القروية أو مسجد القرويين ،
امرأة صالحة تدعى بأم البنين فاطمة الفهرية
، وأنها تحرت كل التحري عندما اشترت أرضه ، حتى لا يشوب شراءها حرام ،
وأنها منذ شرع في بنائه وهي صائمة تقربا إلى الله إلى أن انتهى من بنائه .
لقد ذكرت أن جامعة القرويين أول جامعة علمية في العالم ، ودليل على ذلك ما أكده العلامة ( دلفان ) في كتابه " فاس وجامعتها "
فلقد قال : " إن جامعة القرويين تعتبر أول مدرسة في الدنيا .
ويقول " بندلي " إن أقدم جامعة في العالم ليست في أوروبا كما كان يظن بل في أفريقيا وفي مدينة ( فاس ) بالذات عاصمة بلاد المغرب ( العلمية ) ، وأثبت التاريخ أنه تخرج من هذه الجامعة عشرات ومئات من الطلبة الأجانب من غير المسلمين وعلى رأسهم الراهب " جربيرت " الذي صار فيما بعد البابا " سيلفيستر " . الثاني انتهى ما قاله " بندلي " .
يقول الأستاذ المرحوم علال الفاسي في بحث له عن مهمة علماء المسلمين
ولقد لعب المعهد القروي والمعاهد الدينية الأخرى في المغرب والأندلس دورا هاما في تنقيح المنقول وابتكار المعقول ، وفي ذلك الجو نشأ أبطال في المعرفة والفلسفة ، أمثال ابن رشد ، وابن الطفيل ، وابن باجة ، وابن حزم ، وابن البنا ، وابن العربي
، وغيرهم من مختلف رجال الفكر الذين نشروا المعرفة وضحوا في سبيلها ،
وكانوا القناة التي سقت الغرب الأوروبي فأثمر حضارته الحالية .
وقد استخرج صديقنا الدكتور عمر فروخ في رسالته عن ابن باجة
بعض المعطيات التي قدمها المفكرون المغاربة للثقافة العربية ، وفي مقدمتها
سيطرة العقل عند المغاربة ، وحسن الإنتاج والابتكار ، إلى جودة التنسيق
والاختصار ونضيف إلى ذلك أن المغاربة عملوا على توحيد مجتمعهم لا من جهة
العقائد ولا من جهة الفروع . . . فتخلصوا
|
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 505) |
|
من الطائفيات ، وانصرفوا لدراسة الإنسان وعلاقته بالطبيعة ، متجنبين بقدر
الإمكان كل الأبحاث ، الميتافيزيقية التي لا يمكن للإنسان إدراكها إلا عن
طريق النقل ، واتجهوا في فلسفتهم الاجتماعية نحو مجتمع واقعي ، يقوم على
التعاون ، ويتأثر بقوانين الكون ، عوامل الاقتصاد ، ويتطور بحسب البداوة ،
والغزو ، أو الحضارة والاتجار . ومقدمة ابن خلدون خير مثال لذلك . على أن الاتجاه الاجتماعي كان بارزا عند الفلاسفة والفقهاء المغاربة فقط بل حتى عند متصوفة المغرب أمثال ابن العباس السبتي ، وابن محمد صالح
من الذين بحثوا في تجربتهم الروحية ، سبيل خدمة المجتمع ، والتعاون على سد
حاجاته ، وبذلك قدر المغاربة مهمة للعالم الديني ، على أنها ليست في مجرد
البحث والتدريس ولكن في نقل معرفته ، وبذل جهوده لخدمة الإنسان ، وتحسين
حالته المادية والخلقية ، ولكن المسلمين لم يسيروا على وتيرة واحدة دائما .
وليست " القرويين " وحدها هي التي قامت بهذا الدور العلمي الثقافي الحضاري ، فجامع الأزهر
الذي تم بناؤه سنة 361 - 972 م كان مركزا لنشر المعرفة ومقصدا للطلبة من
جميع الآفاق ، ويحدثنا التاريخ أن أول درس ألقي فيه كان أواخر عهد المعز لدين الله ( 365 - 975 ) حيث جلس قاضي القضاة أبو الحسن علي بن النعمان يدرس فيه مختصر أبيه في فقه الشيعة في جمع حافل من العلماء والكبراء
، وفي ذلك الوقت بالذات برزت دار الحكمة التي أنشأها الخليفة الحاكم ، وقد أمضى المقدسي
في المسجد الجامع بالقاهرة وقت العشاء مائة وعشر مجالس من مجالس العلم ، وكان جامع المنصور ببغداد ، وهو أقدم مسجد جامع بها ، أشهر مركز للتعليم في المملكة الإسلامية ، ويحكى أن الخطيب البغدادي لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات ، سأل الله -عز وجل- ثلاث حاجات ، أخذا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
ماء زمزم لما شرب له ، فالحاجة الأولى : أن يحدث بتاريخ بغداد ، والثانية أن يملي الحديث بجامع المنصور ، والثالثة : أن يدفن إذا مات عند قبر بشر الحافي
. وقد جلس إبراهيم بن محمد نفطويه المتوفى عام 323 هـ 935 م وكان من أكبر العلماء بمذهب داود الأصبهاني إلى اسطوانة بجامع المنصور خمسين سنة لم يتغير محله منها
، وكان أبو حامد أحمد بن محمد الإسفراييني المتوفى عام ( 406 هـ - 1015 م ) إمام أصحاب الشافعي يدرس بمسجد عبد الله بن المبارك ببغداد ، وكان يحضر مجلسه من الفقهاء والعلماء ما بين 300 و 700 فقيه
، وكان أبو الطيب الصعلوكي مفتي نيسابور مركز علماء خراسان ، يحضر مجلسه أكثر من خمسمائة طالب ، ونفس الشيء بالنسبة لمدينة ( كشغر )
|
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 506) |
|
حيث يحضر دروس مسجدها أكثر من خمسمائة طالب ، ويروي التاريخ أن الصاحب بن عباد
لما عزم على إملاء الحديث وهو وزير خرج يوما متطلسا متحنكا بزي أهل العلم ،
فقال : قد علمتم ، قدمي في العلم ، فأقروا له بذلك ، وأنا متلبس بهذا
الأمر ، وجميع ما أنفقته من صغري إلى وقتي هذا من مال أبي وجدي ، ومع هذا
لا أخلو من تبعات ، أشهد الله وأشهدكم أني تائب إلى الله من ذنب أذنبته ،
واتخذ لنفسه بيتا أسماه بيت التوبة ، ولبث أسبوعا على ذلك ، ثم أخذ خطوط
الفقهاء بصحة توبته ثم خرج وقعد للإملاء ، وحضر الخلق الكثير وكان المستملي
الواحد ينضاف إليه ستة ، كل يبلغ صاحبه ، فكتب الناس حتى القاضي عبد الجبار
.
وفي سنة 346 هـ 957 م توفي أبو العباس الأصم ، وكان من أكبر علماء خراسان
ومحدثيهم ، وقد ظهر به الصمم وهو ابن ثلاثين سنة وكان إذا ذهب إلى المسجد
للتحديث ، وجد السكة قد امتلأت بالناس ، وكانوا يقومون له ويحملونه على
عواتقهم إلى مسجده ، وكان لا يأخذ شيئا على التحديث وإنما كان يورق ويأكل
من كسب يده
.
لقد كانت المساجد مركزا للتعليم والتثقيف في جميع ميادين المعرفة ، كما كانت مجالس للوعظ والإرشاد والتوجيه ، وقد ذكر الجاحظ في البيان والتبيين أن جعفر بن الحسن أول من اتخذ حلقة في مسجد البصرة لإقراء القرآن وللقصص ، ويقول المرحوم العلامة الظاهر ابن عاشور
: " وأحسب أنه ما نشأت فكرة وضع المدارس لدراسة العلوم في الإسلام ، إلا
من أثر امتزاج التمدن في عصر الدولة الإسلامية العباسية بين مدينة الإسلام
ومدينة اليونان " ، ثم يقول : وما ظهرت المدارس في الإسلام لمزاولة العلوم إلا في بغداد ، لما وضع أبو جعفر المنصور حلقة الطب التي فوض أمرها إلى ( فرات بن سحتاثا
) الفارس الطبيب في حدود سنة 140 هـ ، وما كانت تلك الحلقة معهد تعليم
للعلم ، ولكنها كانت مجمعا لعلماء الطب ليتذاكروا علمهم وتجاربهم
.
ولقد بقي أهل السنة بمصر يدرسون العلم بجامع الفسطاط إلى أن بنى صلاح الدين مدرستين : الأولى للمالكية سنة 566 هـ ، والثانية للشافعية ، وبنى الملك الكامل بالقاهرة دار الحديث المعروفة بالكاكلية سنة 622 هـ وجعلها للمذاهب الأربعة ، وأقام الملك العادل في دمشق المدرسة العادلية والملك الظاهر في دمشق أيضا المدرسة الظاهرية
وأشير بالمناسبة إلى أن مركز مصر العلمي ابتداء منذ الفتح الإسلامي سنة 16 هـ حيث سكن أرض الكنانة جمهور من الصحابة ، مثل عمرو بن العاص ، وابنه عبد الله ، وقيس بن عبادة وعبيد الله بن محمد
|
(الجزء رقم : 2، الصفحة رقم: 507) |
|
( وهو أول من أقرأ القرآن بمصر ) ، وإن الدراسات في المسجد ، كانت أولا مقتصرة على القرآن ، وما يلقيه القصاصون والواعظون ، إلى أن ورد يزيد بن أبي حبيب ، في زمن عمر بن عبد العزيز ، فأظهر الفقه ، وأخذ عنه الليث بن سعد ، ولقد ازداد مركز مصر العلمي بظهور الإمام محمد بن إدريس الشافعي وأصحابه أواخر القرن الثاني الهجري ، وتضاعفت قيمتها العلمية بل أصبحت المركز العلمي الأساسي في الشرق العربي بعد خراب بغداد على أيدي التتار
سنة 656 هـ ، فلقد هاجر إليها العلماء الأعلام ، ومن جميع البلاد
الإسلامية التي حل بها الغزو التتاري ، فوجدوا بها من حسن الاستقبال
والإكرام ، ما رغبهم فيها وما جعلهم يختارونها دار إقامتهم ، ومأوى فرارهم ،
وهكذا قطنها فطاحل العلماء أمثال: عز الدين بن عبد السلام ، والإمام ابن الحاجب ، والعلامة ابن منظور صاحب لسان العرب ، والفيروز أبادي صاحب القاموس ، والتيفاشي صاحب كتاب ( خواص الأحجار ) ، وظهر فيها أمثال شهاب الدين القرافي ، وتقي الدين ابن دقيق العيد ، فأصبح الأزهر
مركز الإشعاع العلمي ، وقصده الطلبة من جميع بلاد الإسلام ، فبنيت المدارس
المجاورة له لإيواء الطلبة الواردين وعززت ببناء الأروقة في رحاب الأزهر الشريف .