السؤال
مشكلتي
أني أريد الطلاق، ولكن أهلي رافضون مبدأَ الطَّلاق جدًّا، والحياة مع زوجي
صارت لا تُطاق، لدرجة أني ما عدتُ أطيق رؤية زوجي، جاءتْه بعثة إلى
الخارج، وسافرتُ معه، ويا ليتنا ما سافرنا! زوجي من الأساس ليس عنده
التزامٌ ديني قوي، لكن المَعيشة هناك زادت الطِّين بلَّة؛ كما يُقال، صار
يتشبَّه بِهم، ويَشرب مثلهم، ويحضنني أو يقبِّلني أمامهم؛ أمر طبيعي، وأنا
أجلس وأضحك وأتكلم بشكلٍ حميمي مع أصحابه؛ أمر طبيعي، أنا لا أفعل ذلك، لكن
هو دائمًا يَطلب ويصرُّ على مطلبه، كرهت كل شيء في الغربة؛ بسبب انفلات
زوجي الدِّيني، زوجات أصحابه - أعوذ بالله منهن - مُنحلاَّت جدًّا، وطبيعي
لديهنَّ أيُّ شيء، وكلُّ شيء مسموحٌ ومباح، ودائمًا يقارِنني بِهنَّ، وأخسر
أنا في العملية الحسابيَّة!
الحمد
لله أنَّنا لم نُنجب أطفالاً؛ برغبة منه، حتى يستقرَّ جغرافيًّا، ويفرغ من
دراسته، وينظِّم حياته، وهذا شيء اتَّفقنا عليه، وأقنعَني به، لكنَّ فكرة
الأطفال كانت تشغلني لدرجة البُكاء، وصرتُ أرى كلَّ شيء بصورة خاطئة من
حولي، النَّاس هنا يحسدوني على زوجي، ومكانته الاجتماعيَّة، وعلى شخصيَّته
المتحدِّثة والبارعة جدًّا في المناقشة، وعلى لغاته وثقافته العامة، وعلى
ماله وشهرة أهله... هذا الشيء خلَّف أحقادًا عليَّ في العائلة!
وأنا
للعلم لَم أتغيَّر في أخلاقيَّاتي، إنَّما ازدادَتْ ثقافتي، وتغيَّر
منظوري للأشياء، وأصبحتُ أرتِّب الناس بمنازل يستحقُّونها، ولديَّ
التزاماتٌ للقلَّة لا للكثرة منهم؛ لأنني أصبحتُ أعزل نفسي عن القيل
والقال، وكثرة الثَّرثرات عني وعن زوجي.
كانت
حياتنا حلوة جدًّا، لا يعكِّرها شيء، ثمَّ بدأ شكِّي في مدى قرب زوجي من
ربِّه، وميله إلى التَّفكير الغربي، وأشياء كثيرة يطلبها منِّي لا أستطيع
تلبيتها له؛ خاصة أنِّي دائمًا كنتُ أجلس مع نفسي، وأفكر في زوجي
وتصرُّفاته، لكن كنتُ أقول: هذي وساوس، لكن بعد أن سافرنا ظهَرَت كلُّ
مخاوفي على السطح، وتبَيَّن ميلُ زوجي للتفكير الغربي كما قلت مسبقًا، صار
يَشرب، واتضح لي أنه كان من قبل يشرب عندما يسافر مع أصحابه، صار يأخذ
راحته (على الآخِر) مع الجنس الناعم، استنكرتُ، لكنَّه قال لي: كبِّري
عقلك، نحن في الخارج، لا بدَّ أن نتصرَّف بِمِثل تقاليد البلد نفسه في
الغربة.
حاولتُ
أن أنصهر مع الرَّكْب، سجَّلتُ بمعهد، ودرست، كنتُ أحاول أن أنسجم مع
زوجات أصحابه، لكن تفكيرهنَّ كان يختلف معي، ما عدا واحدة كنت أرتاح لها،
وهي أقلُّهنَّ تحرُّرًا، طبعًا أصحابه من جنسيَّات مختلفة، أنا لا ألومهم،
لكنْ هناك أشخاصٌ من نفس بلدي، وعندهم تصرُّفات لا تليق بنا، زوجي صار
يَخونُني، وكنت أكشفه كلَّ مرة من رائحته، ومن ابتعاده عنِّي! واعترف أنه
وأصحابه يتبادلون زوجاتهم!
إنَّ
نفسيتي متعبة جدًّا، المشكلة أو المصيبة ليست سهلة، وكيف أفتح الموضوع مع
أهلي، كيف أتعامل مع زوجي؟! أحيانًا يقول لي: هذا كسْرٌ (للرّوتين)، ثُمَّ
صارت بيني وبينه مشادَّة كلاميَّة، تحوَّلَت إلى مشادَّة بالضرب والطرد،
وذهبتُ فيها إلى بيت صديقةٍ لي بالمعهد، بعدها جاء سريعًا وراضاني،
وتأسَّف، وقال: إنه سوف يقلع عن كل الحرام الذي يفعله هو وأصحابه، لكن
لمَّا ضَمِن رجوعي، مكثَ شهورًا إنسانًا جيدًا، ثم رجع، وصارت بيننا
مشادَّات ثانية، ووصلَتْ للضَّرب أيضًا، لكن هذه المرَّة هو لم يضربني، أنا
الذي ضربتُه، رغمًا عنِّي؛ فقد أوصلَني إلى انهيارٍ عصبي ونفسي.
والآن
أنا وصلتُ إلى مرحلةٍ كرهتُه، وأتمنَّى أن أتركه، هناك أشياء خاصَّة لو
قُلتُها ما قَبِلها أحد، وهو دائمًا يجبرني عليها، وأخاف والله أن أفضحَه
عند أهلي أو أهله؛ لا أستطيع أن أتخيَّل أنِّي أرجع له.
وكل
ما أطلبه الآن رأيك؛ كيف أتصرَّف معه، ومع أهلي؟ ولا أتصوَّر نفسي بعدُ
مطلَّقة، ولا أتصوَّر كلام الناس، سيقولون: إنَّني التي لا أستحقُّه؛ لأن
الكل يتمنَّاه، الخيالات الَّتي برأسي لست قادرة على تحمُّلها، رائحتُه لا
أطيقها، وجوه أصحابه برأسي، كلامه المقزز، كل شيء، لا أستطيع أن أمسح أي
شيء من مخي، أحس أني انتهيتُ، أخاف أن يضيع العمر، وإني متحيِّرة؛ أتركه أو
أنتظر الفرَج، أو أقول لأهلي أو أهله أو.. أو... لا أعرف.
أتمنَّى
هذه المرَّة أن تُعطيني ردًّا وحلولاً؛ لأنِّي مسافرة للحج، أتمنَّى أن
تُعطيني إجابة؛ لا أعتقد أني أستطيع أن أقول أكثر من الذي قلتُه، فهل تعتقد
أنَّ هناك أمَلاً أن يستقيمَ زوجي؟
الجواب
أختي الكريمة،,
حياكِ الله، ومرحبًا بك في شبكة الألوكة، سائلةً المولى - عز وجل - أن يأجركِ في مصابكِ، وأن يخلف لكِ خيرًا منه؛ آمين.
في نظرة المجتمع العربي للمرأة
المطلَّقة شيءٌ من القسوة والبُعد عن الإنصاف، وكم تتأثَّر المرأة بتلك
اللَّفتات والهمسات والهَمْهمات التي لا تدلُّ إلاَّ على أنفُس مريضة،
وقلوب سقيمة، وعقول متخلِّفة!
لكن هذا واقعنا، وذاك عالمنا
الذي لا ننْفكُّ عنه، ولا قدرة لنا على الانعزال عنه، كل ذلك يبدو قاسيًا
وعنيفًا، قد يعيل صبركِ، ويضيق صدركِ، لكن هل هناك حقًّا مِن خيار؟
هل أنتِ مُخيَّرة بين الرُّجوع إلى تلك البلاد الماجنة ومُصاحبة الرُّفقة الشائنة، وبين رَفْض هذا الوضع والبقاء في بلدك؟
ليس من خيارٍ بين الحقِّ
والباطل، ولا مِن تحيُّرٍ بين المعروف والمنكر؛ فأنت مأمورةٌ بإنكار المنكر
على حسب ما ورد في الحديث الذي رواه أبو سعيدٍ - رضي الله عنه - أنَّ رسول
الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره
بيدِه، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعَفُ الإيمان))؛
رواه مسلم، وأقلُّ ما يمكنكِ فِعلُه هنا هو إعلان رفضكِ التامِّ لهذه
الحياة التي لا تختلف عن حياة البهائم العَجْماء، ما لم تكن أسوأ؛ ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾[الفرقان: 44].
أتُفكِّرين في العودة لزوجٍ لا
يتورَّع عن شرب الخمر، وإجباركِ على مُخالطة أصدقائه، ومُمارسة الفاحشة على
صورة لعبة حقيرة لا يشترك بها إلاَّ من رِينَ على قلبه، وأظلمَتْ نفسه
بسواد المعصية، وخَبثت نفسه بِعفن العهر، وامتلأ قلبه بحبِّ أهل الكفر
والفسوق، حتى صار يقلدهم في كلِّ حركة وسكنة؟! كما قال - صلَّى الله عليه
وسلَّم - فيه وأمثاله: ((لَتتبِعُنَّ سَنن من قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا
بذراع، حتَّى لو سلكوا جحر ضبٍّ لسلَكْتُموه))؛ رواه البخاري.
كيف تفكِّرين وممَّ تخافين؟
هذا وعد الله الصريح: ﴿ وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا
يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ
اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2 - 3].
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4]، فهل بعد قولِ الله مِن قول؟!
لا بديلَ عن ديننا؛ لا بزواج،
ولا أولاد، ولا غيره، لا سعادة للعبد إلاَّ بهذا الدِّين، فمَن طلبها في
غيره، باء بالخِزْي، وعاد بالنَّدامة، فاستعيذي بالله أن تكوني منهم.
تخافين من ضياع العمر لو ترَكْتِ الحياة معه؟
فأيُّ عمر هذا الذي تعيشه
المرأة في ظلِّ تلك الموبقات؟! تصحو على أنغام الشَّيطان، وتنام على ألحان
العصيان! والله ما الضياع إلاَّ في تلك الحياة، فلا يُزيِّنْ لكِ شياطين
الإنس والجن أنَّ الزواج مهما كانت صورته خيرٌ من البقاء بلا زوج.
قد تمرُّ عليكِ أوقات عصيبة، قد
تسمعين ما يسوءك من أقرب الناس إليكِ، قد تذرف عيونكِ أدمُعَ الأحزان، وقد
تملأ قلبكِ الأشجان، قد ينتابكِ شعورٌ بالذُّل والهوان، قد يصوِّر لكِ
الشيطان أنَّ القرار لم يكن صائبًا، والعودة خيرٌ من البقاء؛ لكن عليك
بالتسلُّح لمواجهة تلك الفتن، والتصدِّي لهذه المحن، أولَم يقل الله: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾[محمد: 31].
لن أنصحكِ بالعودة لهذه البلاد؛
فإنْ أبَى إلاَّ البقاء فلْيَبق وحده فيها، وإن أرادكِ، ورغب فيكِ بصِدْق،
فلْيَكن في بلدكِ دون السفر إلى هناك، ولْيَتب إلى الله من تلك البلايا
التي أحاط نفسه بها.
وأمَّا عن خوفكِ من الأهل أو
المجتمع أو غيرهم، فلم يخطر ببالي حين قرأتُ ذلك إلاَّ نصيحةُ نبيِّنا
وقدوتنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - التي أهداها يومًا لابن عبَّاس - رضي
الله عنهما - وللأمَّة أجمع: ((يا غلام، إنِّي أعلِّمُك كلمات: احفظ الله
يحفَظْك، احفظ الله تجده تُجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن
بالله، واعلم أنَّ الأمة لو اجتمعَتْ على أن ينفعوك بشيءٍ لَم ينفعوك
إلاَّ بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلاَّ
بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام، وجفَّت الصحف))؛ رواه الترمذي،
وصحَّحه الألباني.
فلا الأهل ولا الأقارب ولا
الأصدقاء سيَنفعونكِ إذا ما زلَّت قدَماكِ في طريق الغَواية، وسُبل
الضَّلالة في ذلك العالَم الأسود والجوِّ الملوَّث، وليس في مقدورِهم أن
يضرُّوكِ إذا ما قرَّرتِ الفرار بنفسكِ ودينكِ من عالَم الخيانة والدياثة،
فلا تلتفتي لتلك المكانة الاجتماعيَّة الزائفة، وهذه الثقافة الخَرْقاء،
والبَرَاعة في العصيان، واتِّباع طريق الشيطان، فليست بأكثر نفعًا للإنسان
من المال والبنين، يوم لا يُغنيان عن الإنسان شيئًا؛ ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾[الشعراء: 88 - 89].
أنتِ على الحقِّ وهو على
الباطل? فلماذا تخشَيْن نظرةَ مَن حولكِ، وتعملين حسابًا لِلَومِهم وعتابهم
وهو أحقُّ بتلك المُعاناة وهذه المَشاعر.
لماذا لا نواجه واقِعَنا بكلِّ
ما فيه، ونتصدَّى لأيِّ عوائق وموانع قد تَحُول دون أن نحصل على حقوقنا؟
وإلى متى نَحْمل همَّ العواقب، ونخشى المستقبل الذي تكفَّل به ربُّنا؟
يا عزيزتي، الحياة قصيرة،
فلِماذا نَزِيد من قِصَرِها بتضييع سنِي أعمارنا في مُشاحنات وتردُّدات
وتحيُّر وتخبُّط؟! ماذا سيَفعل أهلكِ إن أصررت على عدم العودة، واشترطتِ
على زوجكِ الاستقامةَ والتوبة، وإلاَّ فلا عودة؟!
لعلَّكِ لم تفكِّري فيما
ستقولينه لهم لتبرِّري إصراركِ على رفض السَّفر، وأنصحكِ قبل الشُّروع في
ذلك أن تتعلَّمي أو تأخذي فكرةً عن ذكاء المشاعر، وهو أن تُحسني توظيف
مشاعركِ، والتعامل مع من حولكِ على نحوٍ يتقبَّلون به وجهة نظركِ
ويتفهَّمون موقفكِ، ما يمنَعُكِ من مواجهة أهلكِ، وإخبارهم بقدرٍ من حقيقة
الوضع الذي تعيشين فيه في تلك البلاد؟ لن يملك الأهل إلاَّ الوقوف بجانبك،
ومدَّ يدِ العون لكِ بكلِّ السُّبل، وقد تجدين عندهم من المشورة والحكمة ما
تتوقُ نفسكِ إليه، وعلى عكس ما تتوقَّعين من رفض فكرة الفراق؛ فقد
يؤيِّدون موقفك، ويدعمون رأيك، ويشدُّون على يديك، كلُّ هذا إن أحسَنْتِ
عَرْضَ موقفكِ ووُفِّقتِ في إظهار مشاعركِ بصورةٍ معتدلة، بعيدة عن
المُبالَغة أو الاقتضاب.
أخيرًا:
قال سفيان الثوريُّ - رحمه الله -: "من عرفَ نفسه لا يضرُّه ما يقول النَّاس فيه".