DR MUHANNED IBRAHIM محـــ القلعة ـــــــــارب
الديانة : مسلم بفضل الله تعالى الجنسية : مصرى بفضل الله عدد المساهمات : 1470 المهنة : لا حياة بدون عمــــل .. ولا عمل بدون أمــــل !! نقاط : 1087951 السمعة : 30 تاريخ التسجيل : 01/05/2010 العمل/الترفيه : مسلم عمله وقوله متوازيان المزاج : حازم ثابت صارم حنون رحيم كريم
| موضوع: مفاوضات المشايخ والعسكر.. إلى أين؟ الأربعاء 12 محرم 1433 هـ - 7 ديسمبر 2011 م 2011-12-09, 5:02 pm | |
| مفاوضات المشايخ والعسكر.. إلى أين؟
الأربعاء 12 محرم 1433 هـ - 7 ديسمبر 2011 م
الكاتب: خالد خطاب
بسم الله.. الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد..
فبالرغم من كثرة الجدل الذي خلّفته حلقة برنامج (مصر الجديدة) على قناة الناس بتاريخ 28-11-2011، والتي حل ضيفا عليها شيخنا المكرم الشيخ محمد عبد المقصود، فإنني كنت قد عزمت ألا أخوض نقاشا حولها بأية وسيلة أو تحت أي ضغط، ولكن لم يمنعني ذلك من مشاهدتها، فوقفتُ حين فعلتُ على موضعين من كلام الشيخ محمد، رأيت أن في نقلهما بنصهما والتعليق عليهما ما عساه أن يكون فتحًا لباب نقاشٍ صحي بين مشايخنا الأكابر وبين بعض من تلقى العلم ثانيًا رُكبه في مجالسهم، كي يوفّوا لهم بحقهم ويعترفوا لهم بجميلهم، آملين أن يسمعوا منهم، كما سمع سليمان من الهدهد.
وكان أول هذين الموضعين، هو قول الشيخ محمد:
(لكن واضح أن المجلس العسكري والحكومة باعت الإسلاميين لأن الآخرين يتهمون المجلس بأنه يعقد صفقة مع التيار الإسلامي)، ثم استدرك الشيخ قائلا: (لا أقول باعت.. لكن أقول: لا تحقق أي مطلب للتيار الإسلامي..)
وكان مما استدل به الشيخ الكريم، موقف الحكومة من أبي يحيى -كان الله له-، وموقفهم من فلوباتير الذي حرّض عليهم! مع أن الشيخ قد قرع أسماع عصام شرف وحكومته مرارا –جزاه الله خير الجزاء- منكرا عليهم.
وما لفت نظري، وكي أكون أكثر صراحة: ما فرحتُ بالظفر به من هذا الكلام، هو اعتراف الشيخ الجليل -الذي عهدنا منه التجرد- بأن العلاقة بين مشايخنا وبين المجلس العسكري آلت إلى الصورة الآتية:
أن يُدعى المشايخ الكرام إلى الحضور، وتُعطى لهم الفرصة كاملة للاعتراض على أمور داخل دائرة محددة، لا يُسمح بفتح النقاش خارجها، فيقوم الشيخ بواجب النصح صادعا بالحق، ثم ينصرف، ثم لا تشهد أرض الواقع مثقال ذرة من تغيير للأوضاع التي أنكرها الشيخ، ثم يُدعون من جديد، لإبداء آرائهم في قضية جديدة، فينكرون المنكر تارة أخرى، فيُقابلون بالابتسامات والأحضان، ويأخذون من العسكر ميثاقا غليظا، ثم مرة أخرى: يخلو الواقع من جنس نتيجة!
وبالرغم مما صرح به الشيخ محمد من أننا لا نحصل على شيء مما نطالب به الحكومة والمجلس، فإننا مع ذلك في نفس الدرب ماضون، لا نتراجع ولا نحجم، بنفس الآليات التي لا تكاد تتغير، والمفارقة، أننا نظهر أمام الناس وكأننا أكثر التيارات قربا من المجلس والحكومة، بل ونُتّهم صراحة بالتزلّف إليه وعقد الصفقات السرية بيننا وبينه، بينما نحن نشتكي أنه قد "باعنا"، وأنه لا يجيب لنا أي مطلب، بخلاف غيرنا!
وهنا يقفز هذا السؤال –بل يقفز فيض من الأسئلة- ويفرض نفسه بقوة: ما السبب في ذلك؟ أين الخلل؟ هل ينبغي علينا إعادة النظر في آليات التعامل مع هذه الجهات؟ هل حان الوقت لنعترف أن ثمة أناسا لا يقلّون –إن شاء الله- عن مشايخنا الكرام إخلاصا، يقدرون على إدارة هذه الملفات وتكوين التصورات الصحيحة وتحديد الآليات المناسبة لفرض المطالب على الخصوم بصورة أبلغ أثرا وأقرب إلى تحقيق المقصود؟
بل إن السؤال الأخطر والذي يلزمنا طرحه، لا نخاف في الله لومة لائم: هذه القضايا التي يتصدّر مشايخنا الكرام لتكوين تصوراتهم عنها، ثم اتخاذ القرارات فيها، بل والتفاوض مع المجلس أو الحكومة عليها، هل هي من جنس ما بَرَع فيه المشايخ، فينبغي تقديمهم على غيرهم، أم أنه باب لا يُعرفون فيه بكبير خبرة ولا كثير ممارسة، وما دعاهم المجلس وما دعتهم الحكومة إلا لعلمهم أنهم ذوو تأثير وشعبية عريضة وكلمة مسموعة؟
فقضايا مثلا كتحديد خطوات المرحلة الانتقالية، وأية خطوة تسبق أختها، وأي الطرق أقرب لتحقيق مصلحة الأمة، وكم هي المدة المناسبة لكل خطوة، ومشروعية كتابة الدستور في وجود العسكر، وكيف يجب أن يتعامل الشعب مع محاولات العسكر المستمرة للالتفاف على إرادته، ودلالة نصوص الإعلان الدستوري، والضغوط الخارجية والداخلية على المجلس، وأساليب المجلس في التعامل مع هذه الضغوط، وتاريخ حكم العسكر ودقائقه، والعقلية العسكرية، وغير ذلك من القضايا المؤثرة بشكل مباشر في تكوين الرؤية للوضع الحالي.. هذا كله، هل هو من جنس ما دَرَسَه ودَرّسَه فقهاؤنا ومشايخنا في حلقاتهم أو طلبوا علمَه من مظانه؟ أم أنهم فيه كسائر المسلمين، فلا يحق لهم التصدّر بهذه الصورة ثم فرض الرأي وادعاء الإجماع وحمل الناس على اتباعه؟
إن سلمنا بأنهم أخبر منا بهذه الأمور، فإننا لا يمكن أن نسلّم أبدا بأنهم أهل الريادة والتخصص فيها، المرجوع إلى قولهم المعمول بفتواهم، ومن رأى غير ذلك فليبرز حجته.
ولتقرير هذا المعنى، فإننا نطرح هذا السؤال، وهو: هل توجد أمور في دنيا الناس لا يختص بتكوين التصور الصحيح عنها إلا من خَبَرَها ومارسها أو تخصص في دراستها، بغض النظر عن منزلته من علوم الشريعة؟
الجواب: قطعا نعم، وأدلة ذلك من الكتاب والسنة معلومة، ولنقدّم بكلامٍ لشيخ الإسلام ابن تيمية يوضّح هذا المعنى، يقول رحمه الله:
(وكون المبيع معلوما أو غير معلوم لا يؤخذ عن الفقهاء بخصوصهم، بل يؤخذ عن أهل الخبرة بذلك الشيء، وإنما المأخوذ عنهم ما انفردوا به من معرفة الأحكام بأدلتها....فإذا قال أهل الخبرة إنهم يعلمون ذلك، كان المرجع إليهم في ذلك دون من لم يشاركهم في ذلك وإن كان أعلم بالدين منهم، كما قال النبي أصلى الله عليه وسلم لهم في تأبير النخل (أنتم أعلم بدنياكم فما كان من أمر دينكم فإلي)، ثم يترتب الحكم الشرعي على ما تعلمه أهل الخبرة كما يترتب على التقويم والقيامة والخرص وغير ذلك) مجموع الفتاوى (29|493).
ويؤيد هذا المعنى الإمام ابن القيم، إذ يقول:
(وقول القائل "إن هذا غرر ومجهول" فهذا ليس حظ الفقيه، ولا هو من شأنه، وإنما هذا من شأن أهل الخبرة بذلك، فإن عدُّوه قماراً أو غرراً فهم أعلم بذلك، وإنما حظ الفقيه يحل كذا لأن الله أباحه، ويحرم كذا لأن الله حرمه، وقال الله وقال رسوله وقال الصحابة، وأما أن يرى هذا خطراً وقماراً أو غرراً فليس من شأنه، بل أربابه أخبر بهذا منه، والمرجع إليهم فيه، كما يرجع إليهم في كون هذا الوصف عيباً أم لا؟ وكون هذا البيع مربحاً أم لا؟ وكون هذه السلعة نافقة في وقت كذا وبلد كذا؟ ونحو ذلك من الأوصاف الحسية والأمور العرفية) إعلام الموقعين (5|400).
وهذا النقل الأخير من أنفس ما قد تقرأ في هذه القضية، ذلك أنه حدد اختصاصات كل فريق، فخالف بذلك من ظن الفقيه قادرا على الاستقلال بالنظر وتكوين التصور في ما هو من أمور الدنيا، وفي ذات الوقت، فإنه يبين أن الشريعة ليست بمعزل عن أمور الدنيا، ولكنه وضّح لنا طريق معرفة حكم الله في هذه الأمور، بسؤال أهل الذكر والتخصص، حتى يكتمل تصور الواقعة، فنُنَزّل عليها حكم الله فيها.
فمهما أجهد الفقيه ذهنه وأعمل آلاته لتكوين التصور الصحيح، فإنه قطعا سيأتي دون التصوّر الذي سيكونه المتخصص الخبير، ولذا قال الله تعالى: (ولا ينبؤك مثل خبير) وقال: (فاسأل به خبيرا)، فلا يبدأ دور الفقيه إلا بعد أن ينتهي المتخصص الخبير في العلم الدنيوي –زراعةً كان أو صناعةً أو اقتصادًا أو سياسةً- من توصيف الواقع، ثم يأتي الفقيه ليقول هذا حلال أو حرام، إذ هذه الصورة حكمها في الشريعة كذا، وتأمّل هذه العبارة لشيخ الإسلام، فما أنفعها، قوله: (ثم يترتب الحكم الشرعي على ما تعلمه أهل الخبرة).
ولكن ثمة مرتبة أخرى من الأمور التي يصح أن توصف بأنها تجريبية محضة، لا صلة لها بالتشريع تحليلاً أو تحريماً أو صحة أو فساداً، اللهم إلا من ناحية تقنين الشرع للمسائل، وأمره بمراعاة القواعد العامة، مثل تحريمه للإسراف أو الإضرار بالغير أو الإضرار بالنفس أو العقل أو النسل، ونحو ذلك من الأمور العامة التي تجري في كل المسائل تقريبا، وفي هذا النوع يتقلّص دور الفقيه أكثر من الحالة السابقة التي يتنزل عليها كلام شيخ الإسلام وابن القيم، وحديث تأبير النخل المشهور في صحيح مسلم هو العمدة في بيان مراد الله منا نحو هذه الأمور، ونصه:
"عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون، فقال: (لو لم تفعلوا لصلح) قال فخرج شيصا، فمر بهم فقال: (ما لنخلكم ؟) قالوا: قلت كذا وكذا. قال: (أنتم أعلم بأمر دنياكم).
يقول النووي رحمه الله معلقا على الحديث: (قال العلماء: ولم يكن هذا القول خبراً وإنما كان ظناً؛ كما بينه في هذه الروايات، قالوا: ورأيه صلى الله عليه وسلم في أمور المعايش وظنه كغيره فلا يمتنع وقوع مثل هذا) [شرح النووي لصحيح مسلم (8|129)].
والشاهد هنا، أن العلماء نصوا على أن النبي صلى الله عليه وسلم في تصوره وحكمه على هذه الأمور التي لم يرد فيها نصٌ بعينها كغيره من البشر، بل نص الحديث أن من الصحابة من علم ما لم يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم لكونه ليس ممن عانى الزراعة ولا الفلاحة، فإن العلة قد خفيت عليه، كما نص على ذلك القرطبي في شرحه.
فإذا كان ذلك واردا على النبي صلى الله عليه وسلم، فمن باب أولى، أن يرد على الفقيه، وهذا يوضّح لنا أن تفوق الفقيه أو الشيخ في العلوم الشرعية لا يفيد بالضرورة مزيد علم بهذه الأمور التجريبية، ويكون طبيعيا أن يوجد من يتفوق عليه فيها، بل إن الأصل أن يتفوق عليه من تخصص في هذه الأمور، إذ قد استفرغ هو جهده في طلب العلم الشرعي وضبطه والتحقيق في مسائله وتدريسه للناس، في الوقت الذي كان المتخصص يبذل جهده ووقته لزيادة خبراته بهذا الأمر.
فإن كان من الفقهاء من جمع بين علمه بالشريعة وبين علمه بهذه الأمور على سبيل التخصص، فإنه قد ملك الآلة، فله أن يخوض هذا الغمار، ولكن هذا في العادة يكون نادرا جدا.
إذن، فتصدّر المشايخ لهذه المشاهد واتخاذهم للقرارات فيها بل والاحتجاج بقولهم (كل المشايخ أجمعوا على كذا أو كذا..)، أو استدلالهم بحديث (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية)، فإن كل هذا لا اعتبار به على الإطلاق، بل هو في نظري يحتوي على شيءٍ من المصادمة والإهدار لقول الله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، وذلك من وجهين:
الأول: أن المشايخ هاهنا لم يسألوا أهل الذكر والتخصص على ما يبدو، ولم يقدّموهم أو يصطحبوهم، ولم ينقلوا لنا قولهم، بل حدث أن زاحموهم، بل حلوا محلهم وقاموا بوظيفتهم.
الثاني: أن هذا يقلل من مكانة المشايخ في قلوب الناس جدا، ذلك أن من تكلم في غير فنه فحتما سوف يزل، بل يصير الأصل في اجتهاداته في هذا الباب الخطأ، وهذا بدهي، والخطأ في القرارات السياسية قد تدفع الأمة ثمنه سنينا من القهر، كما أن العامي لن يفرّق بين خطأ الشيخ في قضية فقهية شرعية أو في قضية سياسية محضة، فتسقط قيمة العلماء وهيبتهم شيئا فشيئا، حتى لا يسأل الناس أهل الذكر في أمور دينهم كما أمرهم ربهم، ويصبح هذا أشبه بقبض العلماء، الذي هو سبيل قبض العلم، حتى يتخذ الناس رؤوسا جهالا، وإنها لكارثة بكل المقاييس، قد بدت بوادرها تلوح في الأفق، وكلنا يشهد الآن خلوّ المساجد من حلقات العلماء ومن طلبة العلم، في مشهد يبكي العين، فالله يلطف.
ولو فرضنا أن كل فقهاء العالم أجمعوا على أن الأصوب في إحدى المعارك الحربية هو نزول هذا الوادي أو التترس بذاك الجبل من العدو، وجاء قائد ميداني واحد وقال بخلاف ذلك، لما كان لإجماعهم أي اعتبار، وللزم الجند طاعة قائدهم، الذي ما تأمّر عليهم إلا لحنكته وخبرته ومباشرته للقتال وقيادة الجند، وليس لتميزه بقدر زائد من علم الشريعة.
وينبغي التنبيه على أننا حين نقرر وجوب إرجاع الأمر إلى أهله، بل حتى حين نصرّح بتقلص دور الفقيه في أمثال هذه المسائل، فإن هذا لا يلزم منه القول بتقلّص دور الشريعة، إذ الشريعة أوسع من الفقيه بها، تشمله وتشمل غيره من أهل التخصصات الأخرى، وكلهم إن ابتغوا وجه الله بعملهم، صَدَقَ عليهم وصف "رجال الدين" في الثقافات الأخرى.
كما لا ينبغي حشر كل من نادى بالفصل بين التخصصات في خانة من تأثّر بالعلمانيين الذين يرومون الفصل بين الدين والدولة، فإننا لم نناد بذلك إلا سمعا وطاعة لنصوص الوحيين لا غير، وسلوكا للسبيل الذي وضعه الله وحده لمعرفة الحق في هذه الأمور.
أما ثاني الموضعين من كلام الشيخ محمد، فهو قوله -متعه الله بالعافية- بشيء من التصرف-:
(نحن يا سيدي حين ذهبنا إلى المجلس العسكري، قال اللواء الفنجري: يا جماعة خلونا نمشي واحدة واحدة وأنتم تقولون التوقيتات، ثم وضع اللواء خطته: انتخابات برلمانية (من إلى)، ثم المجلس يختار الجمعية التأسيسية (من إلى)، بعد ذلك وضع الدستور (من إلى)، وكان اللواء يسأل في كل مرة: "هذه الخطوة، كم تأخذ من الوقت؟ قولوا أنتم"، يخاطب أعضاء الهيئة الشرعية)، ثم يشير الشيخ محمد بسبابته ويقول: (ولم يتعقبنا في أي تقدير).
فأنت ترى هنا أن اللواء الفنجري سمح لمشايخنا بتحديد المدد الزمنية المناسبة لكل خطوة من خطوات المرحلة، والتي هي على الترتيب: انتخابات برلمان، ثم جمعية تأسيسية، ثم وضع للدستور، ثم الاستفتاء عليه، ثم إقراره، ثم فتح الباب لانتخابات الرئاسة.
وقبل أن أتعرض لبعض الإشارات الواضحة من هذا المقطع، فإنني أنقل نص كلام المستشار طارق البشري، أحرى الناس بالرجوع إليه في هذا الباب، وهو من أحال الشيخ على مقالاته في تلك الحلقة، يقول البشري حفظه الله:
(المهم الآن من الناحية القانونية التشريعية، أنه يتعين أن نعرف أن التصور الدستوري الذى قام على أساسه التعديل الدستوري المستفتي عليه استفتاء ملزما للكافة، هو أن يجرى انتخاب رئيس الجمهورية بعد انتخابات البرلمان ويكون ذلك خلال فترة تشكل الجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور الجديد وخلال فترة إعداد هذا الدستور ينشأ دستور مصر المرتقب في إطار مؤسسات سياسية ديمقراطية تشكلت في أثناء المد الثوري الشعبي بانتخابات حرة نزيهة).
مقال "التراخي في الفترة الانتقالية" – جريدة الشروق- 7 أكتوبر 2011
تأمّل ما ذكره البشري، وتأمّل الخارطة التي عرضها المجلس أمام المشايخ كخيار أوحد لا يقبل النقاش، بينما أوكل إليهم تحديد المدد الزمنية لتلك الخطوات!
وبالرجوع إلى النقل السابق عن الشيخ محمد، فإنه يظهر لنا أن الأمر سار كالآتي: 1-اللواء الفنجري "تكرّم" على المشايخ وقال: نمشي واحدة واحدة، وأنتم تضعون تقديراتكم للمدد الزمنية. 2-سَعِد المشايخ -على ما يبدو- بهذا العرض، ولم يفكّروا في الاعتراض على الترتيب المطروح نفسه، واكتفوا بتحديد المدة لكل خطوة (من وإلى). 3-توصلوا في النهاية إلى أن تسليم السلطة إلى رئيس منتخب لا يمكن أن يكون قبل نوفمبر 2011، ويعلّق الشيخ محمد قائلا: (ولم يتعقبنا اللواء الفنجري)، ما يشير إلى أن الشيخ محمدا يعد ذلك دليلا على أن المجلس لو كان بإمكانه أن يفعل شيئا لتقصير المدة، لفعل.
وهذا المقطع في نظري يبين لنا بوضوح شديد عددا من الحقائق المؤلمة، أبرزها: عدم تصور المشايخ للقضية ومضايقها بصورة تؤهلهم للتصدّر للتفاوض واتخاذ القرارات، وضعف الجانب التفاوضي عند المشايخ، ومبالغتهم في إحسان الظن بالعسكر –وإن خالفوا ذلك أحيانا بلسان المقال-، وترسيخهم لمبدأ الرضا بالفتات.
وكل ذلك من أخطر ما يكون، والتعويل على هذه القرارات والحال هذه لا يصح بحال، وإعادة النظر في اختيار الأشخاص المفاوضين ممثلين عن التيار الإسلامي أو عن البلاد: متعينٌ وبسرعة قصوى، فإن الأحداث متسارعة، واستمرار الحال بهذه الصورة يضيع فرصا قد تغير وجه التاريخ أولا، ويوقع في مزالق يتحمل تبعاتها التيار الإسلامي كله ثانيا.
فهم –على فضلهم وجلالة قدرهم- يدخلون بتصور لا يملكون آلات تكوينه بصورة كاملة ابتداء، ثم يفاوضون عقلية عسكرية عركتها الحياة واختلطت مهارة التفاوض بشحم حاملها ولحمه، مع الشعور دائما بأن طرف المجلس هو اليد العليا، ما يجعلنا نرضى بما يلقيه إلينا من "هبات" قد عقد العزم على التفريط فيها سلفا، وما سواها فقد تشبث بها وأصرّ على عدم فتح باب النقاش حولها أصلا.
أضف إلى ذلك أننا إن سلمنا للكرام بأن العسكر يتعرض لضغوط داخلية وخارجية تكاد تقصم ظهره، فينبغي أن يُعلم أنه حتما سوف يمكر مكرا كبّارا للخروج من تحت وطأة هذه الضغوط، وأبسط طرقه أن يَميل علينا ميلا عظيما، ولكن دون التصريح بذلك، بل مع التصريح بخلافه.
والعجيب، أنك تجد بعض الإعلاميين الإسلاميين الكرام، يقبلون بل ويعتقدون أن خلق الله كلهم يتآمرون على الإسلاميين، إلا العسكر! وإن تجرأنا ووصفناهم في بعض أحاديثنا بشيء من ذلك، فإننا لا نتعدى قدرا لا يختلف عليه مصريان، أن المجلس العسكري في النهاية جزء من النظام السابق، وكفى!
وقد علمنا أن عليًا رضي الله عنه أرسل ابن عباس لمناظرة الخوارج وألزمهم الحجة بنصوص الكتاب والسنة، لكن ما كان لإمام المسلمين في أي عصر أن يرسل فقيها لا يُعرف بمباشرة العمل السياسي ليفاوض خصما على هذا القدر من الدهاء، يفرّط في شيء ليحصل على شيء آخر! يعقد معه الأحلاف ويبرم المعاهدات!
لو فعل إمام المسلمين ذلك، لكان مضيعا للأمانة موسدا الأمر لغير أهله!
نعم كنا ومازلنا من أشد الناس فرحا بتكوين هيئة معينة تجمع مشايخنا الكرام على قلب رجل واحد، بل كان هذا حلمنا كما كان حلمهم، وإننا لنرجو أن يأتي اليوم الذي تضم فيه هذه الهيئة كل الأسماء المبرزة في التيار الإسلامي، من سياسيين وحقوقيين ومتخصصين في شتى المجالات، بل أن تضم أصحاب الريادة في هذه المجالات، وأن يتم تفعيل دورهم ولا يقتصر على مجرد تمثيلهم الرمزي، وأن يكونوا هم أهل الرأي بل وأهل اتخاذ القرارات المتعلقة بشئون سياسة الدولة، فهكذا تؤتي هذه الهيئات ثمارها كاملة، نسأل الله أن يجزل للقائمين عليها المثوبة، ولكن من تعجّل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه.
أيضا، فلا ينبغي أن يُستدل علينا بأن يقال مثلا: (المشايخ يجلسون مع العسكر ليأتوا لنا بحقوقنا، وأحدكم قابع في بيته خلف شاشته، فهم يعرفون منهم ما لا تعرفون أنتم)، ذلك أن كل المؤشرات تشير إلى أن هذه الجلسات يكون أثرها على تكوين الرؤية سلبيا وليس إيجابيا على من حضرها، وأن من عافاه الله من شهودها يكون أقرب إلى إصابة الحق ممن حضرها، ولو لم يتوفر له مصدر آخر لتحصيل المعلومات، فما بالك والمصدر بل المصادر متوفرة؟!
في النهاية، فإن كان ثمة أمور قد غابت عنا معاشر الشباب علمها مشايخنا الأفاضل، فليسارعوا بإخراجها وعرضها، فإن الاضطراب يزداد يوما بعد يوم، وإلا، فلا يمكن أن نكف عن مناصحتهم -وهم فوق رؤوسنا على كل حال- لمجرد توهّم غياب جزء من الصورة، ملكوه هم، وعجزنا نحن عن إدراكه.
الدور المنوط بمشايخنا كعلماء للشريعة ورؤوس لأكبر فصيل في البلاد أعظم وأجل من التفاوض مع العسكر أو من دخول البرلمان، ذلك أن ثمة مهامًا لا يقدر على القيام بها على وجهها غيرهم، وقيادتهم للدعوة في أحلك فترات حكم مبارك لخير دليل على ثباتهم وبراعتهم وتميزهم، ولْيعلموا أننا لنحزن بل وتدمى قلوبنا من كل ما من شأنه أن يخدش مكانتهم أو ينزل منزلتهم، فليعيدوا النظر وليستكملوا معركتهم الأولى، ونحن خلفهم.
حفظ الله مشايخنا، وأعانهم على ما أُلقي على كاهلهم من أعباء، وجزاهم الله عنا خير الجزاء.
رابطة النهضة والإصلاح | |
|