صورة من عزتنا
بقلم الدكتور محمد موسى الشريف
في سنة 187هـ نقـض صـاحب الروم نقفور
الصلح الذي كـان بين المسلمين وبين الإمبراطورة أريني ،
بعد أن خلعها الروم وملكوه ،
فكتب إلى هارون الرشيد :
من نقفور ملك الروم ، إلى هارون ملك العرب ،
أما بعد ،
فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مكان البيدق
– الرخ والبيدق من أدوات الشطرنج ،
ومعروف أن الرخ أقوى حركة وقيمة من البيدق على رقعة الشطرنج –
فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقاً بحمل أمثالها إليها ،
لكن ذلك ضعف النساء وحمقهـن ،
فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها ،
وافتد نفسك بما يقع به المصادرة لك ،
وإلا فالسيف بيننا وبينك .
فلما قرأ الرشيد الكتاب استفزه الغضب حتى لم يمكن لأحد أن ينظـر إليه دون أن يخاطبه ،
وتفرق جلساؤه خوفاً من زيادة قول أو فعل يكون منهم ،
واستعجـم الرأي على الوزير من أن يشير عليه أو يتركه يستبد برأيه دونه ،
فدعـا بدواة وكتب على ظهـر الكتاب :
بسم الله الرحمن الرحيم ،
من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم ،
قـد قرأت كتابك يا ابن الكافـرة ، والجواب ما تراه لا ما تسمعه ،
والسلام .
ثم شخص من يومه وسار حتى أناخ بباب ممدينة هرقلة ،
ففتح وغـنم ، وخـرب وحرّق ،
فطلب نقفور الموادعة على خراج يؤديه في كل سنة ،
فأجابه الرشيد إلى ذلك ،
فلما رجع من غزوته ، وصار بالرقـة نقض نقفور العهد وخان الميثاق ،
وكان البرد شديداً ، فيئس نقفور من رجعة الرشيد إليه ،
وجاء الخبر بارتداده عما أخذ عليه
فما تهيأ لأحد إخباره بذلك إشفاقاً عليه وعلى أنفسهم من الكرة في مثل تلك الأيام ،
فاحتيل عليه بشاعر يسمى أبا محمد بن عبد الله بن يوسف
فقال له قصـيدة مطلعها :
نقض الذي أعطيته نقفور - - - - - - وعليه دائرة البوار تدور
فلما فرغ من إنشاده
قال الرشيد : أو قد فعـل نقفور ذلك ؟!
وعلم أن الوزراء قد احتالوا له في ذلك ،
فكر راجعاُ في أشد محنة وأغـلظ كلفة حتى أناخ بفنائه ،
فلم يبرح حتى رضي وبلغ ما أراد ، و أذل نقفـور وجنده .
وبعد فتح هرقلة
كتب نقفور مع بطريقين من عظماء بطارقته في جارية من سبي هرقلة كتابا ًنسخته :
لعبد الله هارون الرشيدأمير المؤمنين من نقفور ملك الروم ،
سلام عليكم ، أما بعد
أيها الملك ، إن لي حاجة لا تضرك في دينك ولا دنياك ،
هينة يسيرة ، أن تهب لابني جارية من بنات أهل هرقلة ،
كنت قد خطبتها على ابني ، فإن رأيت أن تسعفني بحاجتي فعلت ،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
واستهداه أيضا ًطبيباً وسرادقاً من سرادقاته ،
فأمر الرشيد بطلب الجارية وهي ابنة بطريق هرقلة
فسلمت
وسرادق كان الرشيد نازلاً فيه ،
مع آنية ومتاع وعطور وتمور ، إلى رسول نقفور.
وفي هذه السنة اشترط الرشيد على نقفور الا يعمر هرقلة ،
وعلى أن يحمل نقفور ثلاث مائة ألف دينار .
وفي غزوة الرشيد هذه لهرقلة اتخذ قلنسوة كتب عليها :
غاز حاج .
هذه صورة من صور عز الأمة الإسلامية
يوم كانت مرهوبة الجناب ، قوية الأركان ،
واليوم تنتقص الأمة من أطرافها ،
وتهزأ بها كل الأمم
لأنها هانت على الله فأهانها على أيدي الأراذل وشرار الخلق .
المصدر : موقع التاريخ