إن
الجزء الوحيد "الحقيقي" في واقعة الصورة "المزيفة" هو أنها تؤكد عدم
امتلاك الإدارة الأميركية أية صورة توثق روايتها، وأنها تدرك فداحة هذا
النقص، ولهذا سعت لسده بالتزوير، ولاحظ أن سياق انعدام الدليل الحقيقي
والاستعاضة عنه بآخر مزيف أو بتبرير بادي التلفيق والتكلف هو السياق الذي
يسيطر على بنية التصريحات الرسمية بشأن مقتل بن لادن.
ولا
شك في أن جثة بن لادن هي الدليل الأكثر أهمية، وعدم وجودها هو الفجوة
الأبرز، وبالتالي فإن تبرير هذا الغياب بالحديث عن إغراق -أو دفن- هذه
الجثة في البحر هو الزعم الأكثر سخفا، بين مجموعة مزاعم كلها سخيف، منها
سقوط مروحية، بعد إصابتها بطلقات نارية جعلتها تتحطم كما قال شاهد عيان،
أو تتعطل كما قالت المصادر الأميركية، ثم لا يصاب ولو واحد من ركابها!
ومنها قيام 3 مروحيات وفرقة مسلحة بقصف بيت، وتبادل إطلاق النار مع من فيه
لمدة 40 دقيقة، ثم لا تتدخل الشرطة، ولا القاعدة العسكرية الباكستانية
التي لا تبعد عن البيت إلا أمتارا؟ ألم يخطر ببال أحدهم في باكستان أن
البلاد تتعرض لهجوم إرهابي؟
لو
قالت الإدارة الأميركية إن العملية تمت بالتنسيق مع السلطات الباكستانية
لكان تبريرا يمكن قبوله، لكن "رامبو" الأميركي أصر على أنه قام بالعمل
منفردا، بل إن تصريحات المسؤولين في الإدارة الأميركية أشارت إلى شعورهم
بـ"الصدمة" لعجز الباكستانيين -أو صمتهم- إزاء إقامة بن لادن على مثل هذه
المقربة من قاعدة عسكرية.
سلسلة
غير محبوكة من المزاعم، ربما كانت تستر قصة أخرى، تتعلق بتداعيات لعملية
القتل خرجت عن السيطرة. أو أن واشنطن تأكدت من وفاة بن لادن -ربما في
عملية سابقة أو تحت وطأة المرض- ورغبت في استثمار هذه المعلومة مدعية أنها
قتلته بهدف:
•
إعادة هيبة البنتاغون المهدرة في أفغانستان، خاصة بعد هروب أكثر من
خمسمائة معتقل طالباني من سجن في قندهار، في عملية محبوكة هي صفعة مدوية
غطت أصداؤها الطريق من كابل إلى واشنطن.
•
التشويش على فضيحة وجود معتقلين أبرياء في غوانتانامو مقابل الإفراج عن
مشتبه فيهم، وهي الفضيحة التي أعلنتها دفعة أخرى من تسريبات ويكيليكس.
•
دعم فرصة فوز الرئيس باراك أوباما بفترة رئاسية ثانية، وهي الفرصة التي
كانت تبدو بعيدة لأسباب داخلية، أهمها: الأزمة الاقتصادية، وتجميد قانون
"الرعاية الصحية"، وهو الإنجاز الأبرز لأوباما، ووصول العلاقة مع
الاتحادات العمالية في ويسكونسن إلى طريق مسدود.
فضلا
عن أزمة بقعة النفط وتداعياتها، وتقدم الحزب الجمهوري مدعوما بحركة "تي
بارتي"، والتشكيك في أن الرئيس ولد خارج أميركا، مما يفقده واحدا من شروط
الترشيح، على نحو اضطر البيت الأبيض معه لنشر صورة موثقة من شهادة ميلاد
أوباما تؤكد أنه ولد في هاواي.
وعلى
الصعيد الخارجي فإن الثورات العربية جاءت خصما من رصيد الاستخبارات
الأميركية، التي لم تتوقع ما حدث، وفقدت "حلفاء" مهمين، وأفلت الزمام من
يديها ليسير "التغيير" في طريق غير التي كانت تدخره لوقت الحاجة.
إضافة
إلى التراجع الواضح في أفغانستان، والإصرار الشعبي على إخراج القوات
الأميركية من العراق. ويبدو أن أوباما يريد الخروج من أزماته والحصول على
رئاسته الثانية بفضل سيناريو قتل بن لادن، مثلما فعل سلفه جورج دبليو بوش
عندما استغل القبض على صدام حسين في سيناريو "الحفرة" الذي اتضح فيما بعد
أنه ملفق، للفوز بفترة رئاسته الثانية.
مقارنة
هذه المكاسب الواضحة والموثقة بمزاعم سيناريو القتل المتداعية، ترجح أننا
أمام "كذبة ما"، أدعو للتظاهر بتصديقها، رغم كل ما أشرت إليه. إذ إن أول
ما يترتب على تصديقها هو مطالبة الولايات المتحدة بالانسحاب فورا من
أفغانستان، وبالتبعية من باكستان، ذلك أن الأمر كله بدأ حين طلبت واشنطن من
حكومة طالبان تسليمها أسامة بن لادن في 2001، وعندما رفضت طالبان شنت
القوات الأميركية عدوانها على أفغانستان مباشرة من دون أي سند قانوني.
والآن وقد حمل الجنود الأميركيون بن لادن -بزعمهم- ورموه في البحر، تنتفي
أية ذريعة للاحتلال، مهما كانت واهية.