العمليات التجميلية وإعادة صناعة الجسد
سامية المرزوقي
تعرف فئة الشابات في الكثير من بلداننا العربية هوسا غريبا عن كل ما يمت بصلة إلى الجمال
الصناعي من مواد للتجميل وماكياجات وحفظ الرشاقة، وما شابه ذلك من مصطلحات حديثة كانت إلى وقت ليس ببعيد، غريبة كل الغرابة عنا، لكن مع ظهور طفرة وسائل الإعلام والاتصال العملاقة أصبح العالم عبارة عن قرية صغيرة، برزت في مجتمعاتنا توجهات وسلوكيات جديدة واهتمامات جديدة أيضا تدخل كلها في إطار ما يعرف بالعولمة و الموضة والانفتاح على المجتمعات الأخرى وكان موضوع الجمال والاهتمام بالمظهر الخارجي أبرز ما وصلنا من المجتمعات الأخرى ومن ذلك عمليات التجميل التي أصبحت تشكلا خطرا حقيقيا على مجتمعاتنا ناهيك عن رأي الشرع الواضح والذي ليس عليه أي غبار في مسألة العمليات التجميلية بالإضافة إلى الحقيقة الاقتصادية التي تتخفى وراء مثل هذه الأفكار الجديدة. إن الأمر لا يتعلق فقط بمجرد مواد ومستحضرات للتجميل يتم شراؤها وإنما هي جدلية اجتماعية جديدة ونمطية وافدة في التفكير و النظر إلى الذات وإلى الآخر ومقياس آخر للتقييم ومعيار في اختيارات اجتماعية جديدة لها خطورتها على قيم مجتمعاتنا وأسرنا.
الحقيقة الاقتصادية:
إن العامل الاقتصادي في مثل هذه الأمور لا يمكن إغفاله أبدا بل انه المؤشر الذي يكشف الكثير من خبايا هذا الموضوع فقد أوردت جريدة الرياض في عددها 13319 الصادر في 11 ديسمبر سنة 2004 أن بورصة عمليات التجميل في مصر على سبيل المثال تحدد سعر عمليات تجميل الأنف بنحو 2000 جنيه، أما شفط الدهون من البطن والأرداف فيتكلف من 3000 جنيه إلى 7000 جنيه، في حين يتكلف تصغير الثدي ما بين 3000 إلى 5000 جنيه، وتجميل العيون 5000 جنيه وتضيف نفس الدراسات أن في مصر وحدها هناك أكثر من 120 ألف عملية تجرى سنوياً أغلبها لتصغير الثدي وشفط الدهون بالإضافة إلى العمليات التي تجرى في «أوكار الموت» بينما النتيجة تكون في أحسن الأحوال «التشويه»..أي أنه يتم صرف سنويا ما قيمته 360 مليون جنيه مصري في عملية تصغير الثدي وحدها و هي أرقام مفجعة ومذهلة عن الأموال الطائلة التي تذهب إلى هذه الشركات وتؤكد أحدث الإحصاءات أن البحث عن ملامح نجمات الفيديو كليب ساهم في زيادة رواج عمليات التجميل في العالم العربي خلال العام الماضي من 380 ألف عملية إلى مليون عملية وارتفع عدد جراحي التجميل في مصر في الأعوام الخمسة الماضية من 300 إلى3000 جراح.
هذا في مصر فقط فما بالك لو أجرينا دراسة اقتصادية معمقة في كامل الوطن العربي فما هي الحقائق التي سنكتشفها وما هو رقم الأعمال الذي تحققه هذه التجارة في بلداننا العربية والإسلامية.
خطورة المستحضرات التجميلية:
لقد أفادت الكثير من التقارير الطبية على خطورة الكثير من المستحضرات التجميلية على الجلد لما تحتويه من مواد صناعية خطيرة يتأكد ضررها مع مرور السنوات وتترك الكثير من التشوهات والندبات التي لا تمحى أبدا منها:
1- ظهور التجاعيــــد المبكرة.
2- ارتخاء أعصاب الوجـه.
3- تساقط شعر الأهداب (الرموش).
4- انطفاء لون الوجه، فتبدو السيدة الشابة بعد حين كما لو كانت قد دخلت إلى الشيخوخة منذ زمن بعيد.
أضرار خاصة لكل مادة:
- إن "أحمر الشفاه" يمتص الضوء ويكسب الشفاه بعض الجفاف والتشقق والتقشر ويكسب الجلد حول الفم لوناً داكناً، خصوصاً بالنسبة لسمراوات البشرة، كما أن ابتلاع صبغة أحمر الشفاه قد تؤدي إلى أضرار صحية على المدى الطويل.
- ألوان الظل التي توضع حول العيون ما هي إلا مواد كيماوية حارقة:
* اللون الأسود الموجود في "قلم الحواجب" هو أكسيد حديد!.
* اللون الأسود الموجود في "قلم الكحــل" مصنوع من مواد يدخل في تركيبها مادة " الجالينا" السوداء اللامعة، ومشكلة "الجالينا" أنها محتوية على مادة الرصاص السامة بتركيزات عالية.
* اللون الأزرق: ما هو إلا أزرق بروسي ومواد أخرى زرقاء.
* اللون الأخضر: هو لون أحد أكاسيد الكروم!.
* اللون البني: هو أحد أكاسيد الحديد المحروقة، وكذلك اللون الأصفر.
- كمــا أن الرموش الصناعية والمواد التي تدهن بها الرموش الطبيعية لتكتسب لمعاناً "آي لاينر" مصنوعة من أملاح النيكل أو من مطاط صناعي وهي تسبب التهاب الجفون وتساقط الرموش.
- المساحيــق: تؤدي كثرة المساحيق إلى انسداد مسام الجلد وبالتالي حدوث التهابات كثيرة، خاصة وأن معظم هذه المساحيق تحتوي على صبغة "الأنيلين".
وقد جاء أيضا في موقع المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية في موضوع للدكتور هاني حجاج تحت عنوان " خطر الماكياج على بشرتك" أن بعض مواد التجميل المستخدمة يدخل في تركيبها مواد سامة خطيرة مثل الزئبق والرصاص وهذه المواد يمكن أن تتخلل البشرة بسهولة وتسري في الدورة الدموية لتسبب تسمما حادا أو مزمنا. وحتى ما لا يتخلل جدار الجسم الواقي منها فهو يحتوي علي عناصر تسبب حساسية الجلد، و البشرة نفسها لها أكثر من طبيعة، فالبشرة الدهنية تكون سميكة، لامعة وتحتوي علي بعض البثور البيضاء والسوداء، وتبدو كأنها مغطاة بطبقة من الزيت تعطيها لمعانا خاصا، هذه البشرة يمكن تجميلها بسهولة، ولكن يجب إزالة مستحضرات التجميل بعناية كل مساء تلافيا لظهور البثور، وتتحمل البشرة الدهنية أشعة الشمس؛ أما البشرة الجافة فهي رقيقة ملساء، وبالتالي فهي ضعيفة جدا، فتتهيج بسهولة بمجرد استخدام أي مستحضر بشكل سيء، ويظهر هذا في شكل قشور، ولهذا كان من الواجب العناية المستمرة لأصحاب هذا النوع من البشرة وتدقيقهن في ما يستخدمن من الماكياج ومستحضرات التجميل.
أما البشرة المختلطة (جافة ودهنية في الوقت نفسه) فيكون الجزء الأوسط منها (منطقة الجبهة وما بين العينين والأنف والذقن) فيكون ذا طبيعة دهنية ونجد البثور تظهر هنا وهناك عكس المناطق الأخرى (مثل الصدغين) والتي تكون جافة. وعلي صاحبات هذه البشرة انتقاء مستحضراتهن التجميلية بدقة شديدة و تحديد المناسب منها لأجزاء الوجه المختلفة.
كذلك لا ننسي أن صبغة الشعر والمواد التي تدخل في تركيبها مثل الألانين والديامبين والبارافينين تسبب حساسية شديدة للجلد، وأعراض هذه الحساسية تظهر خلال الاثني عشر أو الثمانية والأربعين ساعة التالية لاستخدام المستحضر حسب نوع المادة الداخلة في تركيب الصبغة، واهم هذه الأعراض هي الرغبة في هرش المنطقة المصابة وظهور بقع حمراء علي مقدمة الرأس والجبهة والجفون.
وتعتبر هذه الأعراض البسيطة جرس إنذار لتغيير المستحضر أو التوقف عن استعماله حتى لا تحدث بعد ذلك أعراض اخطر؛ أو نفس الأعراض بصورة أسوأ، وأحيانا يصاب شخص آخر بالعدوى عن طريق الاحتكاك بصبغة رديئة لشخص آخر.
والصابون قد يكون سببا قويا لحساسية الجلد لما قد يحويه من أحماض قوية، الأمر نفسه بالنسبة للعطور و التي تستخرج أصلا من نباتات ذات طبيعة مثيرة للجلد فضلا عن أنواع العطور الرديئة التي يدخل فيها الكحول الرخيص عالي التركيز، وتسبب العطور بقعا غامقة علي الجلد ورغبة في الحك خاصة مع رغبة النساء المستمرة في وضع العطر في أماكن شديدة الرقة مثل الرقبة وتحت الإبطين.
بالطبع إنا لا أنصحك بالتوقف عن استعمال مستحضرات التجميل(لان هذا مستحيل تقريبا!) ولكن كل ما أردت قوله هو انك يجب أن تدققي بعناية في أنواع المكياج التي تنتقيها ولا داعي أبدا للتساهل مع أنواع رديئة من العطور وأنواع أخرى مشكوك في تركيبها من مساحيق التجميل.
خطورة عمليات التجميل الجسدية والنفسية:
إن الحديث عن المواد التجميلية يؤدي بنا بالضرورة إلى الحديث عن العمليات التجميلية التي أصبحت على الموضة خاصة لدى بنات الأسر الراقية أو الميسورة الحال فأصبحت مثل هذه العمليات ليس لإزالة تشوهات أو آثار حرائق أو حوادث مؤلمة وإنما للتشبه بالفنانات وإيجاد بدائل لخلق الله وموقف الشرع من هذه العمليات واضح ولا غبار عليه فهو تغير لخلق الله يدخل في إطار الترف والبذخ والتعلق الكبير بالذات إلى درجة النرجسية وقد أثبتت الدراسات أن مثل هذه العمليات لا ينحصر خطرها عل البشرة والقوام والجسد وإنما يتعدى إلى الجانب النفسي حيث أنه من يرفض شكل وجهه ويرد أن يتشبه بشكل وجه آخر مريض لا محالة كما أثبتت الدراسات أن الذي يلجأ إلى عملية التجميل مرة من دون عذر طبي وشرعي صحيح فأنه يلجأ إليها عدة مرات فهناك من تجاوز عدد مرات إجرائه العمليات التجميلية أكثر من 20 مرة حتى لم يبق من جلد يشده أو دهن يشفط وقد أدى ذلك إلى ظهور عدة أمراض نفسية واختلالا في السلوك والشذوذ لدى هؤلاء الأشخاص.
وفي دراسة أجراها أستاذ الطب النفسي المرحوم الدكتور عادل صادق عن هذا الهوس والثقافة الجديدة التي تنتمي إليها النساء الآن، أكد أن مقاييس الجمال قد تحركت تجاه ما أسماه «النحافة الكبرى»، وارتبطت هذه النحافة الجديدة بتحول مهم في وضع المرأة في المجتمع من كونها أما «بالأساس» إلى كونها موضوعاً «جنسياً» وباحثاً عن الإعجاب في عيون الرجال أكثر عن السعادة في عيون الأبناء والصغار».
وصارت النحافة عنواناً للتحرر وانتشرت مع هذا السباق أمراض مصاحبة لأنماط غذائية غير متوازنة منها مرض «البوليميا» الذي أصاب الأميرة «ديانا» وفيه يصاب الإنسان بالشره فيأكل كميات ضخمة من أنواع متعددة ثم يتقيأ ما أكله ليعبر عن خوف دفين لديه ربما من السمنة! وفي القديم كان حضور الروح والجمال الداخلي يتحلى بوسائل كثيرة غير جمال الجسد، ولكن الآن زادت أهمية الجسد كصورة للذات ونظرة الرجل للمرأة واختزالها في أغلب الأحوال كشكل وأنوثة جعل المرأة في حالة صراع دائم من أجل أن تكون الأجمل ولهذا أنفقت إحدى الزوجات في مصر 10 آلاف دولار من أجل أن تصبح كوكتيلاً من الثلاثي: «نانسي وهيفاء واليسا» ولأن زوجها شديد الإعجاب بنانسي عجرم فقد أقامت دعوى قضائية تتهمه بالخيانة مع صور نانسي عجرم.
ومع كل حالة وفاة بسبب الشفط أو التجميل ومع كل وجه فنانة حدث به تغيير نحو الأسوأ أو الأجمل تقفز الاستفهامات من جديد حول مخاطر ومضاعفات عمليات التجميل وأهمها عمليات تكبير الثدي وتجميل الأنف وشدا الوجه وشفط الدهون وأخطرها تدبيس المعدة وهي ليست في اختصاص جراحي التجميل كما يؤكد أستاذ جراحة التجميل بطب قصر العيني ويضيف: «إن جراحة تدبيس المعدة جراحة خطرة، حيث أن هناك نسبة وفاة واحدة بين كل مائتي حالة، وهي لا تجري إلا لأصحاب الأوزان الثقيلة فعلاً، وبعد فشل كل المحاولات، وهناك شروط طبية لإجرائها وهي نفسها شروط إجراء أي جراحة تجميل حتى لو كانت بسيطة، أي خلو المريض من أمراض شاملة وفحوص دم كاملة وأشعة على الصدر».
إن ستين في المائة من السيدات اللاتي يقمن بعمليات التجميل لديهن معاناة من الاكتئاب النفسي ولكنه لا يظهر في الصورة المعروفة كالامتناع عن الأكل واضطراب المزاج والبعد عن الناس إنما هو «اكتئاب مقنع» تلجأ السيدات فيه إلى نوع من التغيير بحثاً عن السعادة وخاصة المرأة التي تعاني من خسارة زوجها نفسياً وعاطفياً ومادياً.
والخصائص النفسية للمرأة لا تختلف ولا تعترف بالجنسيات فهناك امرأة صينية أجرت 48 عملية بحثاً عن الجمال، منها 18 عملية لإصلاح أنفها وأنفقت نحو 241 ألف دولار خلال خمس سنوات.