الناسخ والمنسوخ
.. ( مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ال...لَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
( البقرة : 105 - 106 ) .
فالذين كفروا من أهلِ الكتابِ ، والمشركون ، لا يعنيهم أمرُ نسخِ آيةٍ قرآنيّةٍ ، لأنّهم لا يؤمنون أصلاً بالقرآنِ الكريم ، وما يعنيهم هو نسخُ أحكامِ القرآنِ الكريمِ لأحكامِهم التي اعتادوا عليها
وكلمةَ آيةٍ هنا تعني حُكْمَاً ، وأكبرُ دليلٍ على ذلك هو قولُهُ تعالى ..
( سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) ( النور : 1 ) ..
إنّ من أكثرِ المسائلِ التي يحتجّون بها في مسألةِ الناسخِ والمنسوخ
هي مسألةُ الخمرِ ،
الناسخ.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) المائدة
وقالو المنسوخ الآية القرآنيّةَ ..
( لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) ( النساءالآية 43 )
، فزعـموا أنّها تجيز شربِ الخمرِ شريطةَ عدمِ حصولِ السكـرِ أثناءَ الصلاة ..
والسكرَ المعنيَّ هو سدُّ منافذِ الإدراكِ بحيث لا يعلمُ الإنسانُ ما يقولُ
( حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ )
، فكلُّ من لا يعلمُ ما يقولُ هو في حالةِ ( سُكر ) كما بينها القرآن في توضيح حالة السكر في آيات القرآن الكريم
( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ) ( الحجر : 14- 15) ...
( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) ( الحجر : 72 )
( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) ( الحج : 2 )
( وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) ( ق ّ: 19 )
وممّا يؤكّدُ أنّ السكرَ المعنيَّ في الصورةِ التي زعموا نسخَها
هو عدمُ الطمأنينةِ وعدمُ علمِ الإنسانِ لما يقول] ..
( لا تَقْرَبُوا الصَّلوةَ وَأَنْتُمْ سُكَرَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ )
( فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلوةَ إِنَّ الصَّلوةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَباً مَوْقُوتاً ) (النساء : من الآية 103 )
فقالوا إن آية ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ )
( البقرةا لآية 219 ) منسوخةٌ ،
لأنّها – حسب زعمِهم – تُبيحُ شُربَ الخمرِ ،
و الآية ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإثْمَ ) الأعراف الآية 33 )
توضح حرمة الفواحش والخمر من الفواحش
فاللهُ تعالى يقولُ في السورةِ القرآنيّةِ الأولى : إنّ الخمرَ فيه إثمٌ كبيرٌ
ويقولُ في السورةِ القرآنيّةِ الثانية : إنّ الإثمَ حرامٌ .. وهكذا يكونُ الخمرُ محرّماً حرمةً كبيرةً في اللآيتين ،
هذا ما يقولُهُ اللهُ تعالى في كتابِهِ الكريم .. وعند تدبر الآية نجد أن الآيتين تبينان نفس الحكم أن الخمر محرم وفيه إثم
فلا يوجد ناسخ ولا منسوخ.. فاللهُ تعالى يقولُ لنا : لا يُوجَدُ اختلافٌ في القرآنِ الكريم ، ويأتي زاعمو مسألةِ الناسِخِ والمنسوخِ ليقولوا يُوجَدُ تناقضٌ في القرآنِ الكريم ، والتناقضُ– هو تفسيرِهِم للآياتِ حسب زعـمِهِم
ولكن الحُكْمُ المنسوخُ هو ما نسخ حُكمٌ سابقٌ لنزول القرآنِ الكريمِ ،
سواءٌ من أحكامِ أهلِ الكتاب ، أم العرفِ الاجتماعيّ وما يؤكّد ذلك الآيةُ الكريمة
.. ( مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105) مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
( البقرة : 105 – 106
ما ننسخ من حكم سابق لأهل الكتاب أو ننسي العمل به إلا نأت بحكم في القرآن أحسن منه أو مثله والله على كل شئ قدير.. وكلمة شئ من المشيئة " إما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون "يعني من عالم الخلق ...
أما النص القرآني وهو كلام الله من عالم الأمر وهو فوق عالم الخلق والمخلوقات وبذلك لا يكون المنسوخ نص قرآني أبدا بل حالة أو حكم للأمم السابقة
ومثال ..الأمم السابقة التي زالت بعقاب من الله مثل قوم عاد ولوط وقوم نوح...نسخها فكانت آية لمن بعدها .. محاها وأتى بأمم خيرا منها.... أو أقوام مثلها فاستحقت العقاب والنسخ مثلها... وهذه أيضا آية من آيات الله
د عدنان الرفاعي