التلاعب الإداري لتقسيم مصر
عامر عبد المنعم
--------------------
وسط الجدل الدائر في مصر منذ الثورة وحتى الآن وانشغال الجميع بالتفاصيل
والانخراط في المعارك المفتعلة، هناك قوى خارجية وداخلية تعمل على تقسيم
مصر وفقا لخطط مدروسة ومعدة سلفا، لديها إمكانات مالية وإعلامية وسياسية
وبشرية واسعة.
يظهر تنفيذ التخطيط المعادي في شكل مبادرات وتصورات من مراكز وجهات تبدو
رسمية أو مرتبطة بالدولة، وتحقق هذه المخططات مكتسبات في ظل حالة الارتباك
التي تعيشها مصر الآن.
لقد نشرت الأهرام يوم الثلاثاء 13/11/2011 خريطة تقسيم جديدة لمصر، أعدتها
هيئة التخطيط العمراني زعمت فيها أنها تريد إعادة ترسيم المحافظات ليكون
لكل منها منفذا على البحر.
وأخطر ما في هذا التقسيم الإداري الجديد هو المتعلق بفصل وادي النطرون عن
محافظة البحيرة، واقتطاع جزء من محافظة مطروح لإنشاء محافظة جديدة بإسم
وادي النطرون.
هذا التقسيم الإداري الجديد هو التنفيذ الدقيق لما خططه أصحاب التوجه
الانفصالي من المسيحيين المصريين لايجاد الرقعة الجغرافية التي ستكون بداية
لتأسيس الدولة القبطية.
من المعروف أن بعض المسيحيين المصريين يتوقون إلى إقامة دولة خاصة بهم منذ
نصف قرن تقريبا ظنا منهم أن الفرصة مواتية لضعف المسلمين وخضوع الدولة
المصرية للهيمنة الغربية الصليبية.
ولأن إقامة دولة يحتاج إلى شعب وأرض، كان المطلوب هو البحث عن المكان
المناسب، فاختار أصحاب هذا التوجه الانفصالي –في البداية- محافظة أسيوط،
لوجود كثافة سكانية مسيحية بها، لكن هذا الخيار فشل، لأن المسلمين يشكلون
أغلبية في المحافظة، وتسبب تسرب فكرة الدولة المسيحية في رد فعل إسلامي –
في السبعينات - أفشل هذه الفكرة.
بحث أصحاب المخطط الانفصالي عن مكان بديل، فاختاروا وادي النطرون والصحراء
حتى الساحل الشمالي الذي ربما لايوجد به العقبة التي أفشلت الحلم في أسيوط،
وهي الكثافة السكانية إذ لا يزيد سكان هذه المنطقة عن 80 ألف نسمة.
فبدأ التوسع في الأديرة بمنطقة وادي النطرون وتحويلها إلى قبلة للمسيحيين،
وبدأ الرهبان يتركون حياة الزهد في الدنيا إلى التوسع والتمدد والسيطرة على
آلاف الكيلو مترات في وادي النطرون.
بدأت الماكينة تعمل من خلال العلاقات الرسمية وغير الرسمية باستخدام طرق عديدة للتمهيد لهذه الدولة فتم الآتي:
1- بدأ دير الأنبا مقار يتوسع للسيطرة أولا على وادي النطرون كله وعدم
الاكتفاء بالموجود، وتحقق للدير ذلك ففي سنوات قليلة قام الدير بالآتي:
أ- وضع دير الأنبا مقار يده على 200 فدان طبقا للقانون رقم 100 لسنة 1964
ب- سيطرالدير على 300 فدان بقرار من رئيس الوزراء رقم 16 لسنة 1977
ج- حصل الدير على 1000 فدان منحة من السادات في 23/8/1978
د- سيطر الدير على 2000 فدان من قبيلة الجوابيص
2- وعندما سيطر الدير على الوادي المنخفض عن سطح البحر بدأ يتحرك شمالا
للسيطرة على الأراضي وحتى العلمين بالساحل الشمالي، ووضع الدير يده على
آلاف الكيلو مترات بالصحراء الغربية بحجة الاستصلاح.
ونشرت الصحف في أوائل التسعينات قيام الدير بوضع يده على 50 ألف فدان
بالقرب من مدينة الحمام عند الكيلو 69 بطريق الاسكندرية مطروح وعلى ساحل
البحر المتوسط على بعد 200 كيلو من وادي النطرون
3- بدأ دير الأنبا مقار في التحرك شرقا منذ السبعينات، للسيطرة على
المساحات الواقعة بين الدير وطريق مصر الإسكندرية الصحراوي لوضع يده على
الأراضي الواقعة بين الكيلو 26 حتى الكيلو 118 طريق مصر الإسكندرية
الصحراوي
4- استغلال أنصار المخطط الانفصالي أزمة السلطة قبل الثورة وبعدها وحتى
الآن، في الاستيلاء على آلاف الأفدنة في الصحراء الغربية، من جنوب البلاد
وحتى شمالها، وآخر هذا التمدد المسيحي على الأرض استيلاء رهبان من
الأسكندرية منذ أيام على 9 الآف فدان في وادي الريان بالفيوم وهي محمية
طبيعية مستغلين ضعف سلطة الدولة والاستقطاب السياسي الذي أوجد حالة من
الفراغ.
هذا التوسع زادت وتيرته بعد الثورة، حيث يستغل الرهبان أزمة السلطة وانشغال
الرأي العام بالمعارك السياسية في وضع اليد على مساحات شاسعة من الأراضي
وبناء أسوار خرسانية عالية وفرض سياسة الأمر الواقع.
هذه الرغبة الجامحة في بناء مايشبه المستوطنات على هذه المساحات الكبيرة
يطرح المزيد يزيد المخاوف ويثير الشكوك حول الأسباب التي تدفع هؤلاء
الرهبان للإستيلاء على الصحراء الغربية بهذه الطريقة.
قد يكون هناك من يفكر في إقامة الدولة المزعومة في هذا الفراغ.
وقد يكون هناك من يفكر في أنه قد يأتي اليوم الذي يكونون فيه في حاجة
لمبادلة هذه الأراضي مع المسلمين في الجزء الشمالي الغربي لمصر إن لم
يستطيعوا السيطرة على غرب البلاد؟
وجزء من هذا الجناح الانفصالي المتطرف هو الذي يقود حملة التصعيد الطائفي
خلال السنوات الأخيرة وزيادة المطالب الطائفية لابتزاز الدولة وإبعاد
الأنظار عن المخطط الأصلي الدائر الآن غرب البلاد.
عندما أتحدث عن هذا البعض المتطرف، فأنا لا أتحدث عن أغلبية المسيحيين
البسطاء الذين يعيشون في أمان مع إخوانهم المسلمين، وقصدت أن أكشف هذه
الممارسات التي تضر بالمسيحية المصرية، وليست في مصلحة الوحدة الوطنية
والتعايش والحياة المستقرة منذ مئات السنين، وستجلب هذه الممارسات المزيد
من الاحتقان ولن تحقق الأمن للمسيحيين المتعايشين مع إخوانهم المسلمين، بل
ان الكثير من المشكلات الطائفية التي تشهدها البلاد هي نتاج شعور بعض شباب
المسلمين بما يحدث من هذه القلة الانفصالية المتطرفة ويشعرون بأن الدولة
تخذلهم ولا تدافع عن وحدة البلاد ووقف هذه المخططات الانفصالية.
ربما تسبب النظام السابق في إشاعة التوتر الطائفي للظهور بأنه هو المنقذ
للوطن من الفتنة، فأغرى هذا بعض المتطرفين في الداخل وفي المهجر بأن الفرصة
مواتية لتنفيذ حلم الدولة القبطية.
رغم كل ما يتم فإن هذه الأفكار والممارسات المتطرفة والانفصالية لن يكتب لها النجاح، وإلا كانت نجحت منذ قرون.
ومانراه اليوم من توسع هذه الأفكار الهدامة نتيجة لغياب الدولة، وعدم
القيام بدورها للحفاظ على كامل التراب الوطني والتراخي في مواجهة الافكار
والأفعال الانفصالية والخروج على الثوابت الوطنية.
أين الدولة المصرية مما يحدث غرب البلاد؟
aamermon@alarabnews.com