أعمدة مصر الثلاثة - بقلم :وضاح خنفر

أعمدة مصر الثلاثة - بقلم :وضاح خنفر

يمر العالم العربي في الوقت الراهن بأدق مراحله على الإطلاق منذ هبوب نسمات الربيع العربي قبل تسعة عشر شهرا.

أعمدة مصر الثلاثة - بقلم :وضاح خنفر 26a54952-c939-4cec-bbc7-0b6cb257ad2d

ومع تقلبات الأوضاع التي لا تزال تنتفض على صفيح ساخن، كان الشعب المصري
يحبس أنفاسه أمام شاشات التلفاز في انتظار نتيجة الانتخابات الرئاسية
التي ظهرت قبل أسبوع، ولم يستطع المصريون أن يتنفسوا الصعداء إلا مع إعلان
لجنة الانتخابات الرئاسية فوز الدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان
المسلمين والممثل للقوى الثورية على الفريق أحمد شفيق أخر رئيس وزراء في
عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك والمحسوب على نظامه الفائت.

وفور إعلان فوز مرسي، انطلقت الاحتفالات ليس فقط في مصر ولكن أيضا في جميع
ربوع الوطن العربي، ولا يعزي هذا إلى مركزية مصر في منطقة الشرق الأوسط
ولكن لأن فوز مرشح الإخوان قد بعث برسالة واضحة مفادها أن الربيع العربي
لا يزال يطلق نسماته، وأن المحاولات التي تقوم بها قوى النظام البائد –
"الدولة العميقة"- لم تؤتي ثمارها أمام أمواج الثوار التي لا يخلو منها
ميدان التحرير.

وليس أدل على ما أقوله من استمرار الاحتفالات من جانب الثوار في سوريا -
الذين تسرب إليهم الملل من عدد ضحاياهم يوميا جراء مجازر الأسد وسط ما
يمكن أن يعد خيانة من جانب المجتمع الدولي- بفوز الدكتور مرسي ووصوله إلى
سدة الحكم في مصر حيث أن انتصار شفيق كان سيعطي بشار ونظامه الدافع
للاستمرار في قمع الثورة السورية مهما كانت التكلفة.

ولم يكن الثوار السوريون هم من احتفلوا وحدهم بفوز مرشح الثورة المصرية في
الانتخابات الرئاسية، بل امتدت مظاهر تلك الفرحة إلى ثوار ليبيا واليمن
أيضا وذلك لان مرحلة التحول الديمقراطي والسياسي في هذين البلدين لا تزال
في أطوارها الأولى وان القوى الموالية للنظم البائدة في كلا البلدين لا
تزال حية وتتحين الفرصة لوأد العملية الديمقراطية هناك.

وفي الوقت ذاته، أعطى فوز الدكتور محمد مرسي درسا في انتصار الثورات ضد
قوى الثورات المضادة والتي لم تتمثل فقط في الأشخاص الموالين للنظام
القديم ولكن أيضا في الحملات الشرسة التي شنتها الكثير من وسائل الإعلام
التي شنت حربا شعواء على جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي المتمثل
في حزب الحرية والعدالة بغية تشويه صورتهم في الشارع المصري قبل
الانتخابات الرئاسية في محاولة لإعادة إنتاج النظام القديم.

وعلى أرض الواقع، يعني إعلان فوز محمد مرسي بمنصب الرئاسة في مصر أن
الثورة باتت تمتلك في الوقت الحالي ثلاث أعمدة: الرئاسة، البرلمان وميدان
التحرير.

ويرتبط اثنان من تلك الأعمدة وهما البرلمان والرئاسة بالشرعية المستمدة من
الانتخابات التي أجريت بأسلوب ديمقراطي للمرة الأولى تقريبا في تاريخ
مصر، أما بالنسبة لميدان التحرير، فله شرعيته الثورية التي بدأت منذ أن
أصبح مركزا للمظاهرات التي اندلعت في ثورة الخامس والعشرين من يناير ولا
يزال أيضا المكان المفضل للاحتجاجات والاعتصام التي يقوم بها المتظاهرون
حينما يريدون أن يوجهوا رسالة ما إلى المجلس العسكري.

وفي النهاية نتمنى جميعا أن تكون إرادة المصريين في إنهاء ثورتهم بعد
تحقيق المطالب التي نادت بها تلك الثورة منذ اندلاعها، هي التي تذكر القوى
الغربية بالطرف الحقيقي الذي ينبغي ان تنحاز إليه في دول الربيع العربي
وتطمئن لمصلحته معه وفي تقديري أن هذا الطرف تمثله الحكومات المنتخبة
بأسلوب ديمقراطي في تلك البلدان.