أشباه الرجال ... خطبة لفضيلة الشيخ / صلاح الدين على بن عبد الموجود

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة 15 من ذي الحجة 1432هـ
أشباه الرجال

أشباه الرجال ... خطبة لفضيلة الشيخ / صلاح الدين على بن عبد الموجود Nminder147gj0

إِنَّ
الحَمْدَ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ
بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ
يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لهُ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ -وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ-.
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا
وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
(يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ
يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [
الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ
أَصْدَقَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تعَالَى، وَخيرَ الهَدْيِ<الهَدْي:
السيرة والهيئة والطريقة.> هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر
الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة, وكل بدعةٍ ضلالة.
ثم أما بعد:
عباد الله:
إن الله عز وجل قد اصطفي
هذا الإنسان ليجعله خليفة في الأرض، أي يخلف بعضهم بعضًا، بما أراد الله عز
وجل لهذا الإنسان، أن يكون عبدًا له، فجعلهم خلائف يخلف بعضهم بعضًا.
وبعد خروج آدم عليه
السلام من الجنة ونزل إلى الأرض وحدد الله عز وجل له منهج واضحًا لا يحيد
عنه قيد أنملة، أن يعبد الله عز وجل ولا يشرك به شيئًا، وأن يقيم أمر الله
عز وجل ولا يعصه أبدًا، فبشئم معصيته هبط إلى الجنة، فاستقام آدم عليه
السلام وظل على هذا العهد، وأبان لذريته الطريق.
ومن ثم في أرجح أقوال
أهل العلم أن آدم عليه السلام كان نبيًا، لآنه ذكَّر أبنائه وأبناء أبنائه
بالميثاق الأول، بعبادة الله عز وجل وعدم المخالفة لأمر الله سبحانه
وتعالى.
فهذا المخلوق العجيب
الإنسان خلقه الله عز وجل له، ليكون عبدًا له طواعية، وربما نرى أن هذا
الإنسان تفرد وتميز، وإن كان له شركاء كالجن إلا وأن له السبق وله المنزلة
والعلو عند الله عز وجل، إذ خلقه الله عز وجل بيده، واصطفاه فنفخ فيه من
روحه، وعرض أمره _أي الأمر الذي ألزمه به_ على السموات والأرض والجبال، كما
قال: سبحانه وتعالى { إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ
عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ
يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ}.
تكليفًا من الله عز وجل {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)}.[الأحزاب]. هذا
الإنسان إن سار على النهج والسبيل والطريق الذي أراده الله عز وجل له نال
سعادة الدنيا والآامل، مهما كان في الدنيا من حال، فهو في سعادة لأنه
يسير على ما أراد الله عز وجل منه.
ثم إن عبر الدنيا بأمر الله سبحانه، وسار على ما أراد الله سبحانه وتعالى نال سعادة الآامل -الجنة-.
فمن ثم كان طريق الأنبياء طريق الفلاح، ومن حاد عن طريق الأنبياء وقع في شقوة الدنيا والآامل، طريق الأنبياء {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.<[المؤمنون: 32]>. طريق الأنبياء {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}. <[البقرة: 63]>. أى خد أمر الله عز وجل كما أراد بلا رخوة نفس أو ضعف قلب.
ومن ثم كان المؤمن القوى
خير وأحب إلى الله عز وجل من المؤمن الضعيف، وخيريته أنه أخذ الأمر بقوة،
أخذه برجاحة عقل، وثبات قلب، وسرعة سير، حتى انطلق إلى الله عز وجل ولم
يتعثر، قوتة أن يلازم أمر الله سبحانه مهما خالفه المخالفون، ومهما حاد
عنه وابتعد عنه الأقربون، إنما هو طريق بداية أن يقول لا إله إلا الله،
ونهاية لا إله إلا الله في الدنيا، ثم ينطلق إلى جنة عرضها السموات
والأرض.
طريق الأنبياء قوة، قوة
في القلب لا يعتريه شك قط، مهما تزلزلت واهتزت الدنيا وعمته المحن، فهو
ثابت القلب، يعلم أن هذا الكون ملك لإله واحد فقط -الله-.
فمن ثم حينما يسير العبد
بمنهج من الله عز وجل يشعر بعلو وبرفعة يشعر بقوة، أنه عبد لله عز وجل،
وأنه يسير إلى الله عز وجل على ما أراد الله.
ومن ثم حينما نقلب في
سير الأنبياء نبيًا نبيًا نرى العجب العجاب، نرى الأصل عند الأنبياء
الثبات، نرى قوة القلب، نرى أنهم ما أحبوا إلا الله، وما تعلقوا إلا بالله،
وما ساروا إلى لله عز وجل على الرغم من وعورة الطريق، وقلة المعين، قوة،
مثال:-
هود عليه السلام نشأ في
قوم بغاة ظلمة، أعطاهم الله عز وجل النعم، نعمًا في الأبدان، أعطاهم نعمًا
في العيش، نعمًا في المسكن، حتى كانوا يقولون: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً}. <[فصلت: 15]>. فدعاهم هود عليه السلام إلى الله عز وجل، تذكير بيان يبلغهم أمر الله سبحانه وتعالى { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}. <[هود: 50]>. الجواب { قَالُوا
يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا
عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53)}. <[هود: 53]>. حوار أما مللت من التذكير؟ أما مللت من دعوتنا إلى الله عز وجل؟ وهذا سؤال استنكاري، أما تكف عنا؟ {قَالُوا
يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا
عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا
اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ}. <[هود: 53:54]>.
قوة المؤمن العزة الرفعة، {قَالَ
إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ
(54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55)
إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ
إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
(56)}. <[هود:56:55]>.
أين قوة هود مع قوم شداد
ناصبوه العداء؟ قد جادلتنا فأكثرت جدالنا، لن نتبعك أبدًا، أين آياتك؟
أين حججك؟ فكانت أعظم حجة أن يقول لهم {فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ} افعلوا بي ما شئتم، فإن علامة صدقي الثبات على أمر الله عز وجل، وإن تكفئت الدنيا بكم أو بغيركم، إني على صراط مستقيم.
ومن ثم مضى هود بسيرة عطرة، نقرأ سيرته وسيرة غيره من الأنبياء في كتاب الله عز وجل {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. <[الأنعام: 90]>.
بل نرى مثالًا آخر، نرى
يوسف عليه السلام لما ذهب إلى بيت الملك رقيقًا قد بيع بثمن بخس، وصار
مولًا في بيت عزيز مصر، وراودته التي هو في بيتها عن نفسه، وغلقت الأبواب
فأبى، وقال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}. <[يوسف: 23]>.
راودته حاولت أن توقعه في الخطيئة، فأبى، أراد الفرار فقدت قميصه من دبر ومزقته، وعند هذا المحاولات والصولات والجولات {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}. <[يوسف: 25]>. الزوج، فمكرت بيوسف، ثم وضع في الحبس، وضع سبع سنين بلا ذنب إلا أنه عف، وثبت قلبه وعظم جنانه.
وتمر الأيام ويرى الملك رؤيا يرى {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ}. <[يوسف: 43]>. هيجته الرؤيا، فأرسل إلى كل علماء الزمان، من يفسر هذه الرؤيا، قالوا جميعًا {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ}. <[يوسف: 44]>.
إلا أن رجلًا خرج من
السجن مع يوسف عليه السلام، فانطلق إلى يوسف وأخبره الرؤيا، على التو فسرها
يوسف، أن مصر ستقع في ملمة عظيمة، وشدة يأكل بعضها بعضًا، فينفد الطعام
فلا طعام، بل إن أهل الأرض لن تكون ميرتها< ميرتها: أي الطعام> إلا
من مصر، ثم بيَّن ما بعد السبع سنوات، ثم بيَّن ما بعد سبع السبع {عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}. <[يوسف: 49]>. بعد شدة الجوع والظمأ والقحط، فذهب هذا الذي كان سجين الملك وعاد إليه وأخبره بالرؤيا.
{وَقَالَ الْمَلِكُ
ائْتُونِي بِهِ} استمع، هو يخبروني، فلما رجع هذا الرجل إلى يوسف بعد سبع
سنين، دعاه إلى الملك، فأبى يوسف عليه السلام {فَلَمَّا
جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ
النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ
عَلِيمٌ}. <[يوسف: 50]>. قل له
هل أنا بريء أما أنني متهم؟ فإن الأزمان تتقلب، قد يصبح الشريف وضيعًا،
ويصبح الوضيع شريفًا، فعز يوسف عليه السلام أن يخرج من الحبس، كما قال: {قَالَ
رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا
تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ
الْجَاهِلِينَ}. <[يوسف: 33]>.
ممن لا عقل له، فاستجاب له ربه ودخل السجن، أبعد سبع سنوات يخرج من السجن ملطخ السمعة؟! {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}. <[يوسف: 50]>.
فعاد سأل الملك عن
الحال، ما خطبكن؟ ما أمركن؟ حينما راودتن يوسف عن نفسه، هل كان منه أمر أو
خطب أو بداية أوقعتكن فيما أردتن؟ قلن جميعًا لا.
يوسف عليه السلام حتى في الحبس كان مؤدبًا، كان صاحب دين {مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}. <[يوسف: 50]> ما قال فما بال امرأة العزيز، احتشامًا لهذا الملك، ما أراد أن يشين حتى بالكلام امرأة العزيز، التي فعلت الأفاعيل {مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}.
{قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ}. <[يوسف: 51]>. ما زال يوسف في السجن {قَالَتِ
امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ
نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ} أي يوسف {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)}. <[يوسف]>.
{وَمَا أُبَرِّئُ
نَفْسِي} لما رأت أن يوسف عليه السلام ما خان زوجها بالغيب وأبى، رفض أن
يوافقها على هذا، وهي أصرَّت على المراودة والمراوغة، فلما أفاقت أنها وضعت
بريئًا في السجن قالت: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}.
قوة إيمان يوسف جعلته في كل المراحل لا يهتز، ولا يخذل نفسه طرفة عين، مضى في طريقه {السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ}. <[يوسف: 33]>. فلما قالت امرأت العزيز {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ}.
أفاق الملك على ظلم بشع أن وضع بريئًا عفيفًا في السجن ظلمًا بلا خطيئة، فأرسل إليه مرة آخرى، لماذا؟ {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي}. <[يوسف: 54]>.
هذا أحق أن يكون معوانًا في الملك، أن يكون معي في هذه البلاد <أي
مصر> لأنه عفيف صادق في محاولة فاشلة من زوجة العزيز، هذا أحق أن يكون
معي أستخلصه لنفسي.
أيها الحبيب إن الرجولة
قد تندر، ربما نرى أن الرجال كثر، لكن الرجل عند الموقف، هل أنا رجل؟ متى
أكون رجلًا؟ حينما أعارض، حينما أخير بين أمر لله عز وجل وبين أمر لغير
الله، فأقول أمر الله عز وجل أمري، أختار أمر الله، أنا رجل، حينما أخذل،
تخذلني نفسي فأختار أمر نفسي، أمر هوى، أمرًا خلاف أمر الله عز وجل، لا
رجولة البتة، أين الرجولة؟!
يذكِّرنا ربنا عز وجل في مواطن من كتابه، مواطن رجولة، أقوام صدقوا ما عهدوا الله عليه، كما قال الله عز وجل {مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ
فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} فمات {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا
بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}. <[الأحزاب: 23]>.
أين صاحب ياسين، رجل
فقير كما يقال لا حس ولا خبر، لا يعرف به أحد، يعمل نجارًا حتى أن المفسرين
تعنوا في البحث عن اسمه وعن موطنه، وربنا عز وجل ذكره في كتابه بلا اسم،
ليظل كما أراد، رجل كان يعمل نجارًا في قرية مظلمة ظالمة، كانوا على الشرك
وعلى الباطل والطغيان، أرسل الله إليهم رسولًا كذبوه، أرسل ثانيًا كذبوه،
عزز بثالث قالوا لا سنرجمكم بالأحجار، هذا الرجل الفقير المسكين الضعيف
رأى قومه قد وردوا موارد التهلكة، كذبوا رسلًا ثلاثة.
خرج من دكانه الذي هو في أطراف المدينة وأسرع إليهم كما قال الله عز وجل {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى}. أسرع لإنقاذ قومه من عقاب محتم بمخالفتهم الرسل {وَجَاءَ
مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا
الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ
مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ
تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ
الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا
يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)}. <[يس]>.
نجار يعظ قومه ويذكرهم بالله عز وجل بعد رسل ثلاثة، ثم صرخ، رجولة { إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ}.ما قال ربي لأن ربي هو ربكم، أراد أن يقربهم إلى الله عز وجل {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25)}. <[يس]>.
قالوا ها حتى أنت أيها النجار، قتلوه {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} كلمة تطرب القلوب، ذاق لذة أول ضربة أزهقت بروحه، فبلغه النداء {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)}. <[يس]>. ممن أكرمهم الله عز وجل.
عباد الله أما سمعتم نداء الله عز وجل {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}. <[سبأ: 13]>.
وقليل قل من يشكر رغم النعم، كم نتنعم في نعم لا تعد ولا تحصى؟ كم ساق
إليك من نعم بسؤال وبغير سؤال؟ وبنعم الله عز وجل نعصي الله، كم تتابعت
علينا من ذنوب؟ وكم أثقلتنا من خطايا؟ ونحن المسلمون، لأنك في زمان قل
المعين، قل من يقول لك يا هذا اتق الله، قل.
لا ترى معوانًا إلا على
معصية، إلا على أمسية، إلا على مجلس غيبة أو نميمة، إلا على هتك عرض، إلا
إلا مجالسنا، ونحن المسلمون، وقال عز وجل: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}. <[الأنعام: 116]>.
عباد الله الإسلام يحتاج
إلى رجال، ليس بالأسماء، عدد المسلمين ثلث عدد سكان العالم، الثلث،
والثلثان على الشرك والكفر الضلال، وإن جمعنا الأثلاث الثلاثة كم يعبد
الله؟ كم يصدق مع الله؟ كم يرفع هذا الدين؟ كم يعز به الإسلام؟ كم كم كم؟
ربما لا تجد إلا النذر اليسير، لأن أهل الإسلام الثلث أين ذهبوا؟ صاروا كما
أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم غثاء.
روى الأمام أحمد وأبو داود عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ " الثلثان مع الثلث "كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا" ألا ترون حال الطعام حينما تقبل عليه الداجنة ماذا تفعل؟ تنثره يمينًا ويسارًا.
"كَمَا
تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا . فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ
نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ"
ووالله رأيناه، أكثر من ثلث العالم من المسلمين، ولا توجد دولة أو دويلة أو
قرية أو قبيلة تقيم أمر الله عز وجل، أما تداعت علينا الأمم منذ زمن؟ "كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا".
"فَقَالَ
قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ
يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ
وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ
وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ" < أخرجه أبو داود (4297)، أحمد (5/278) > بعد أن كان الرجل يغلب ألف، صار الرجل يغلب ألاف من أبناء المسلمين.
عودوا إلى ربكم واستغفروه .......
الخطبة الثانية

أشباه الرجال ... خطبة لفضيلة الشيخ / صلاح الدين على بن عبد الموجود Nminder147gj0

عباد الله
ليس الإيمان ولا الإسلام بالتمني، ولا بالتحلي ولا وبالانتساب، إنما
الإسلام واقع وسلوك، أن تكون عارفًا قدرك، إن عرفت من أنت فأنت أنت، وغالب
الناس لا يعرفون أنفسهم، أنت مكرم عند الله عز وجل بشرط أن تكون على
الإسلام، أنت مكرم عند الله عز وجل بشرط أن تقيم أمره، وأن تترك نهيه، إن
عرفت قدرك فأنت أنت.
ومن ثم كان الأخيار يعرفون قدرهم، فيسيرون إلى الله عز وجل، أما سمعتم حالهم كما قال سبحانه، حالهم {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}. <[السجدة: 16]>.
له خبيئة، له سر مع الله
عز وجل، خلواته عبد، ظهوره للناس عبد، عبودية في السراء، عبودية في
الضراء، عبودية في السر والعلن -عبد- والمضجع يدعو إلى الراحة، إنسان يريد
أن ينام لا يراه أحد ولكنه قلق.
أتدرون ما الذي أقلقه؟
خوف التفريط في الطاعات، وخوف الوقوع في المعاصي، خوف سكرات الموت، خوف أرض
المحشر والوقوف قدر خمسين ألف سنة، خوف المسائلة بين يدي الملك، ماذا
فعلت؟ خوف المرور على الصراط، خوف الفوت، أإلى الجنة أم إلى النار {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}. <[السجدة: 16]>.
الملك الكريم الذي يحب هذا العبد، ويرضِّيه {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. <[السجدة: 17]>.
عباد الله أين قلبك؟ {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ}. <[البقرة: 63]>. أين سيرك؟ أسيرك مع الله عز وجل أم أن قلبك لحظات مع الله ولحظات ترتع في الحشوش؟.
إن السعيد لمن سمى بقلبه
وعلا بنفسه، فليس في قلبه إلا الله ولا في نفسه إلا محاب الله، وإن الشقي
لمن قلبته الفتن، وإن السعيد لمن جنب الفتن، إن السعيد لمن جنب الفتن.
أيها الأحباب الدنيا
لحظة، الدنيا مزرعة، ما زرعت حصدت، في الدنيا من زرع حبًا حصد حبًا، من زرع
شوكًا حصد شوكًا، من زرع حنظلًا جنى حنظلًا، الدنيا مزرعة والآامل هي دار
الحصاد.
أسال الله الملك الكريم المنان أن يغفر ذنوبنا اللهم اغفر ذنوبنا اللـهم
اغفر ذنوبنا اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر
والفسوق والعصيان اللهم ارحم مصرنا اللهم ارحم مصرنا اللهم
ارحم مصرنا اللهم إنا نسألك الأمن والأمان اللهم إنا نسألك
الأمن والأمان اللهم ولي علينا من يرضيك اللهم ولي علينا
من يرضيك اللهم ولي علينا من يرضيك اللـهم إنا
نسألك أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه
أهل المعصية ويؤمر فيه بالطاعة وينهى فيه
عن المعصية واجعلنا ربنـا مـن
الهـداة الراشـدين.
وأقم الصلاة
..اهـ