الصوارف عن الحق .. ما شاء الله درر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :

فإن كتاب الصوارف عن الحق للأخ الدكتور حمد العثمان

وهو أحد طلاب شيخنا ابن عثيمين رحمه الله ــ لم أدركه ــ كتاب ماتع وهو فريد في بابه

اختصرته وهذبته ورتبته ويسرت عرضه وصففته بيدي ليسهل تناوله، لجودة نقولاته

وندرة مادته

أسأل الله أن ينفع به مؤلفه ومختصره وقارئه

إنه ولي ذلك والقادر عليه

اعلم رحمني الله وإياك أن الله عز وجل خلق الخلق على الفطرة

[size=16]** قال تعالى: ( فطرت الله التي فطرالناس عليها )

* * * ومما فُطر عليه الناس هو محبة الحق وإرادته

[size=16]** قال شيخ الإسلام رحمه الله ( والقلب خُلق يحب الحق ويريده )[/size]

* * * وما هو مركوز في النفوس من معرفة الحق وإرادته ومحبته

مؤيد بشاهد الشرع ، كما قال تعالى : ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه )

فالبينة هو الوحي الذي أنزله الله، والشاهد هو شاهد الفطرة المستقيمة

** قال العلامة ابن سعدي رحمه الله ( فالدين هو دين الحكمة التي هي معرفة الصواب

والعمل بالصواب ومعرفة الحق والعمل بالحق في كل شيء )

* * * والنفوس إذا بقيت على الفطرة فإنها لا تطلب إلا الحق ، والحق واضح بين لا

غموض فيه

** قال معاذ بن جبل رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم:

( فإن على الحق نورا )

** وهذا عبد الله بن سلام رضي الله عنه كان يهوديا فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم

حين هاجر إلى المدينة علم أن وجهه وجه صدق ، قال:

(فلما تبينتُ وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب )

* * * والله عز وجل بحكمته يضل من يشاء ، ويهدي من يشاء ، مع قيام الحجة على

الخلق، وإرسال الرسل وإنزال الكتب وظهور الحق

** قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله:

( أفضل نعم الله على العبد أن يطبعه على العدل وعلى إيثار الحق )

[/size]من أجل هذا

فالواجب على العبد أن يلزم الفطرة ، ويحذر الأسباب التي تصد عن الحق وتصرف عنه

وإذا ما صرفه صارف عن الحق بادر بالعودة إلى الحق ولزمه

ومن أسباب لزوم الحق معرفة ما يصد عنه

فما هي الصوارف التي تصرف النفوس عن الحق؟

هذا هو حقيقة موضوعنا أخي الحبيب

الأسباب الصارفة عن الحق ، حري بنا أن نعرفها لنجتنبها

أسأل الله أن يجعلنا جميعا من أهل الحق ودعاته ، وأن يجنبنا أسباب وطرق الضلال

والغواية

آمين .

الصارف الأول : ( الجهل )

وهو من أعظم واخطر الصوارف ،، وإنما قدمناه لبيان خطره على النفوس

فالحق واضح بين كما قال تعالى : ( ولقد يسرنا القرآن للذكر )

فيسر الله لفظه للتلاوة ومعناه للفهم والعمل

وقال نبينا صلى الله عليه وسلم : ( إن الحلال بين والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات )

فلذلك يروج الباطل على من لا علم عنده ولا معرفة ولا اعتناء له بنصوص الكتاب

والسنة وأقوال الصحابة والتابعين

** قال شيخ الإسلام رحمه الله:

( فالحق يعرفه كل أحد ، فإن الحق الذي بعث الله به الرسل لا يشتبه بغيره على العارف

كما لا يشتبه الذهب الخالص بالمغشوش على الناقد )

** وقال تلميذه البار ابن القيم رحمه الله:

( والأسباب المانعة من قبول الحق كثيرة جدا ،فمنها الجهل به ، وهذا السبب هو الغالب

على أكثر النفوس ، فإن من جهل شيئا عاداه ، وعادى أهله )

وصدق رحمه الله فهذه كلمات من ذهب تكتب على صفحات من نور

** وقال شيخ الإسلام أيضا:

( ولا تجد أحدا وقع في بدعة إلا لنقص اتباعه للسنة علما وعملا ، وإلا فمن كان بها

عالما ، ولها متبعا لم يكن عنده داع إلى البدعة ، فإن البدعة يقع فيها الجهال بالسنة )

**** هل يعذر الجاهل بجهله ؟

من فرط في رفع الجهل عن نفسه ، فمثل هذا لا يقبل اعتذاره بالجهل

** قال شيخ الإسلام:

( ويلحق الذم من تبين له الحق فتركه ، أو من قصر في طلبه حتى لم يتبين له

أو أعرض عن طلب معرفته لهوى ، أو لكسل ، او نحو ذلك )

وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

( قد لا يُعذر الإنسان بالجهل ، وذلك إذا كان بإمكانه أن يتعلم ولم يفعل مع قيام الشبهة

عنده )

فهذان شرطان ذكرهما الشيخ رحمه الله لمن لا يُعذر بجهله:

الأول : أن يكون في قدرته أن يتعلم ،، والقدرة إما أن تكون متعلقة بالفهم والذكاء

أو متعلقة بتوافر وسائل التعلم أو غيرها

الثاني : أن تكون الشبهة قائمة في نفسه

وإلى صارف آخر من صوارف الحق ،، والحمد لله رب العالمين .

الصارف الثاني : ( قلة الفهم وضعف الإدراك )

* * * و من الصوارف عن الحق ضعف عقل الناظر في الحق

فقد يقف على ما وقف عليه غيره ممن هو أجود منه عقلا وذكاءاً للدليل الهادي المرشد للحق فلا يبصره

لا سيما إذا كانت دلا لة الحكم متعلقة بضمه إلى نص آخر ، فلا يدرك من هذا الاقتران ما يدركه غيره

* * * والناس يتفاضلون في مراتب الفهم ، فجودة العقل ، وحسن التمييز ، ولطف النظر ، وثقوب الرأي

وإنارة النفس من منائح الله الهنية ، ومواهبه السنية ، يختص بها من يشاء من عباده

والله يرزق من يشاء بغير حساب

** قال وهب بن منبه : ( كما تتفاضل الشجر بالأثمار ، كذلك تتفاضل الناس بالعقل )

** وقال السفاريني : ( إنا نشاهد آثار العقول في الآراء والحُكم والحِيل وغيرها متفاوتة

وذلك يدل على تفاوت العقول في نفسها )

* * * وبسبب هذا التفاضل في الفهم حاد البعض عن الحق لقصور فهمه ، وعدم تلمحه للحق .

** قال شيخ الإسلام : ( فالناظر في الدليل بمنزلة المترائي للهلال قد يراه ، وقد لا يراه لعشي في بصره )

** وقال أيضا رحمه الله : ( وقد يكون الإنسان ذكيا قوي الذهن ، سريع الإدراك علما وظنا

فيعرف من الحق ويقطع به ما لا يتصور غيره ، ولا يعرفه لا علما ولا ظناً )

* * * والأدلة على تفاضل الناس في الفهم كثيرة ــ جدا ــ

من ذلك : أن أبا جُحيفة السوائي قال لعلي رضي الله عنه :

هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن ؟

فقال : لا ، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن

وهذا دليل على الرافضة من شهادة علي رضي الله عنه نفسه

** قال شيخ الإسلام :

( ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب أصحابه بكلام لا يفهمونه

بل كان بعضهم أكمل فهما لكلامه من بعض

كما في( الصحيحين ) عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( إن عبدا خيره الله بين الدنيا والآخرة ، فاختار ذلك العبد ما عند الله ) فبكى أبو بكر رضي الله عنه

وقال : نفديك بأنفسنا وأموالنا يا رسول الله !

فجعل الناس يعجبون أن ذكر رسول الله عبدا خيره الله بين الدنيا والآخرة

قال : وكان رسول الله هو المُخَيّر وكان أبو بكر أعلمنا به )

فالنبي ذكر عبدا مطلقا لم يعينه ، ولا في لفظه ما يدل عليه

لكن أبا بكر لكمال معرفته بمقاصد الرسول علم أنه هو ذلك العبد )

انتهى كلامه رحمه الله

* * * واعلم أخي الموفق أن عدم فهم البعض للنص ، وعدم بلوغ ما فيه

من العلم ليس بقادح في حصول البيان التام والبلاغ المبين من جهة الشارع الحكيم

فالشارع قد نص على كل ما يعصم من المهالك نصا قاطعا للعذر ، والأدلة عليها من الأنوار ما يرشد للمقصود

لكن لا يلزم الشرع عدم رؤية ضعفاء العقول والأبصار لتلك الأنوار

** قال شيخ الإسلام بحق :

( وبيان الأحكام يحصل تارة بالنص الجلي المؤكد وتارة بالنص الجلي المجرد

وتارة بالنص الذي قد يعرض لبعض الناس فيه شبهة بحسب مشيئة الله وحكمته

وهذا كله داخل في البلاغ المبين ، فإنه ليس من شرط البلاغ المبين أن لا يُشكِل على أحد ، فإن هذا لا ينضبط

وأذهان الناس متفاوتة تفاوتا عظيما ، وفيهم من يبلغه العلم ، وفيهم من لا يبلغه ، إما لتفريطه أو عجزه )

* * * إذا عرفت هذا أخي الموفق للهدى والخير

فما هي الحكمة من اختلاف قوة بيان خطاب الشرع ؟

** قال الخطابي :

( لو زال الاختلاف بأن يُنص كل شيء باسمه تحليلا وتحريما لارتفع الامتحان ، وعدم الاجتهاد في طلب

الحق ، ولاستوى الناس في رتبة واحدة ،ولبطلت فضيلة العلماء على غيرهم )

* * * ثم اعلم اخي الكريم أن هذا الاختلاف في الفهم والتفاوت في الإدراك

إنما هو في دقيق الشرع

أما مسائل الإيمان وما يعلم من الدين بالضرورة ولابد للناس منه من العلم مما يجب عليهم ويحرم ويباح

فهذا يستوي في فهمه جميع المكلفين ، لأن فهم الحجة وقيام الحجة متلازمان

ولهذا يستوي الناس في فهم ما يحصل به التكليف

** قال العلامة حسين النعمي ( صاحب كتاب معارج الألباب ) :

( إن أمر الله بتدبر كتابه ، ومعرفة أحكامه ، وفقه شرائعه لم يخص الله تعالى به احدا دون أحد

ولا من تقدم دون من تأخر وابتعد )

* * * فإن قلت أخي الحبيب : إننا نرى كثيرا من الأذكياء قد ضلوا الطريق وجانبوا الحق والتزموا الباطل ، فما السر في ذلك ؟!

فالجواب :

أن السر في ضلال هؤلاء هو سلوكهم طريقا غير هاد ، ثم ما انطوت عليه بواطنهم من عناد وكِبر حالت بينهم وبين درك الحق

** قال شيخ الإسلام :

( ومن وجه آخر إذا نظرت إليهم بعين القَدَر والحيرة مستولية عليهم ، والشيطان مستحوذ عليهم ، رَحِمْتُهم وترفقت بهم

أوتوا ذكاءا وما أوتو زكاء ، وأعطوا فهوما ، وما أعطوا علوما ، وأعطوا سمعا وأبصارا وأفئدة (فما اغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم

ولا أفئدتهم من شيء )

نسأل الله العفو والعافية

وإلى صارف آخر من الصوارف عن الحق.

الصارف الثالث : ( النشأة والإلف والعادة )

*
* * لا شك أن النشأة لها تأثير كبير في صياغة شخصية الإنسان ، وعقيدته ،
وأخلاقه ، فغالبا ما يقبل الإنسان ما عليه أهل بلده من عقائد وأخلاق وعادات
، ويتأثر بما عليه قومه ، والناس كأسراب طير يتبع بعضهم بعضا ، ويرى البعض
أن الخروج مما عليه قومه ضلالة وغواية ، وربما لم يفكر يوما في النظر
والبحث فيما عليه غير أهل بلده

وانظر إلى ملكة سبأ مع ما كان معها من العقل وحسن الرأي كيف كانت تعبد الشمس ؟!
فأخبر سبحانه أن النشأة هي التي حملتها على ركوب أضل الضلال الذي لا يلتبس ضلاله على صاحب عقل صريح وفطرة سوية .
قال تعالى : ( وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين )

** قال ابن القيم : ( مانع الإلف
والعادة والمنشأ ، فإن العادة قد تقوى حتى تغلب حكم الطبيعة ، ولهذا قيل :
هي طبيعة ثانية ، فيُربى الرجل على المقالة وينشأ عليها صغيرا فيتربى قلبه
ونفسه عليها كما يتربى لحمه وعظمه على الغذاء المعتاد ، ولا يعقل نفسها إلا
عليها ، ثم يأتيه العلم وهلة واحدة يريد إزالتها وإخراجها من قلبه وأن
يسكن موضعها ، فيعسر عليه الانتقال ويصعب عليه الزوال ، وهذا السبب ــ أي
النشأة ــ وإن كان أضعف الأسباب ــ أي الصوارف عن الحق ــ معنى ــ أي من
حيث المعنى ــ فهو أغلبها على الأمم وأرباب المقالات والنحل ، ليس مع
أكثرهم ــ بل جميعهم ــ إلا ما عسى أن يشذ ، إلا عادة ومربى تربى عليه طفلا
لا يعرف غيرها ، ولا يحسن به . فدين العوائد هو الغالب على أكثر الناس
فالانتقال عنه كالانتقال من الطبيعة إلى طبيعة ثانية ، فصلوات الله على
أنبيائه ورسله ، خصوصا على خاتمهم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم كيف
غيروا عوائد الأمم الباطلة ونقلوهم إلى الإيمان حتى استحدثوا به طبيعة
ثانية ، خرجوا بها من عادتهم وطبيعتهم الفاسدة ولا يعلم مشقة هذا على
النفوس إلا من زاول نقل رجل واحد عن دينه ومقالته إلى الحق ) انتهى كلامه
رحمه الله وسقاه من سلسبيل الجنة .

* * * وإن شئت أن تقف على حقيقة
تأثير النشأة في صياغة عقيدة الإنسان ، وأخلاقه وهويته ، وشخصيته ، فتدبر
حديث نبيك صلى الله عليه وسلم : ) كل مولود يُولد على الفطرة ، فأبواه
يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه )

** قال شيخ الإسلام رحمه الله : (
فأما لو ترك وحاله ــ يعني القلب ــ وحاله التي فُطر عليها فارغا عن كل
ذكر ، خاليا عن كل فكر ، فقد كان يقبل العلم الذي لا جهل فيه ، ويرى الحق
الذي لا ريب فيه ، فيؤمن بربه وينيب إليه ، فإن كل مولود يولد على الفطرة
فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء
لا يحس فيها من جدع
قال تعالى : ( فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم )

** وقال الشوكاني (صاحب تفسير فتح القدير ) : ( فالناشيء في دولة ينشأ على
ما يتظهر بها أهلها ، ويجد عليه سلفه فيظنه الدين الحق والمذهب العدل ، ثم
لا يجد من يرشده إلى خلافه إن كان قد تظهر أهله بشيء من البدع وعملوا على
خلاف الحق ، لأن الناس إما عامة وهم يعتقدون في تلك البدع التي نشأوا عليها
ووجدوها بين ظهرانيهم أنما هي الدين الحق والسنة القويمة والنحلة الصحيحة )

ولعل من بعض حسنات وسائل الاتصال اليوم ، وتعدد أنواع وسائل المعرفة مما يخفف من أثر النشأة .

* * * ويزداد صارف النشأة قوة في الصد عن الحق بطول المكث ومرور الأيام وتقادم الزمن

[size=16]** قال إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : ( الشيخ لا يكاد يُسلم ، والشاب أقرب إلى الإسلم )
يقصد من يُدعون إلى الإسلام من غير المسلمين ، وصدق رحمه الله ، فهذا واضح
جلي ، فالشباب أقرب للتحرر من إلف النشأة وقبول الحق من الذين تقدمت بهم
الأعمار

** وقال العلامة بن سعدي ( صاحب تفسير تيسر الكريم الرحمن ) : ( ومن مارس
مذهبا من المذاهب برهة من الزمن ونشأ عليه ، فإنه يجزم بصحته وبطلان ما
يخالفه )

نسأل الله أن يهدينا إلى الحق الذي اختلف الناس فيه ، إنه يهدي ما يشاء إلى صراط مستقيم . آمين .
وإلى صارف آخر إن شاء الله رب العالمين .[/size]

الصوارف عن الحق .. ما شاء الله درر Sigpic554037_21

الصارف الرابع : ( الذنوب )

*
* * شؤم الذنوب والمعاصي معلوم ، وضررها على القلب عظيم بما يغشاه من
الرين ، مما يوجب ضعف القلب الذي يوجب ضعف العقل ، فمثل هذا أبعد عن تصور
الحق ، فضلا عن طلبه وإرادته والتزامه

**
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( كما أن الإنسان يُغمض عينيه فلا يرى شيئا ،
وإن لم يكن أعمى ، فكذلك القلب بما غشاه من رين الذنوب لا يُبصر الحق ،
وإن لم يكن أعمى كعمى الكافر )

** وقال تلميذه ابن القيم رحمه الله : ( فإن الطاعة نور ، والمعصية ظلمة ،
وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته ، حتى يقع في البدع والضلالات ،والأمور
المهلكة ، وهو لا يشعر ، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده )

** وقال أيضا رحمه الله : ( ومن عقوبتها ــ يعني المعاصي ــ أنها تؤثر
بالخاصة في نقصان العقل ، فلا تجد عاقلين أحدهما مطيع لله والآخر عاص ، إلا
وعقل المطيع منهما أوفر وأكمل ، وفكره أصح ورأيه أسد ، والصواب قرينه ،
ولهذا تجد خطاب القرآن إنما هو مع أولي العقول والألباب ، كقوله تعالى : (
وما يذكر إلا أولي الألباب ) ونظائر ذلك كثيرة )

* * * ولما كان أهل القرون المفضلة أتقى لله ، وأبعد عن الذنوب ، فإن من بعدهم كان دونهم في تحقيق العلم وإصابة الحق

**
قال الشاطبي ــ صاحب الموافقات ــ : ( فأعمال المتقدمين في إصلاح دنياهم
ودينهم على خلاف أعمال المتأخرين ، وعلومهم في التحقيق أقعد ، فتحقق
الصحابة بعلوم الشريعة ليس كتحقق التابعين ، والتابعين ليسوا كتابعيهم
وهكذا إلى الآن )

* * * ومن طالع سيرهم ، وأقوالهم ، أبصر العجب في هذا ، وهكذا الأمر بالنسبة للأمة بعدهم

** قال الكرابيسي : ( إن أبا عبد الله ــ يقصد الإمام أحمد ــ رجل صالح مثله يُوفق لإصابة الحق )

* * * فالطاعة أخي الكريم تحفظ لك الموجود وتجلب المفقود من العلم والحق ، أو تكفيك إياه

** قال سفيان بن عيينة : ( من عمل بما يعلم كفي ما لم يعلم )

* * * والمعصية تُذهب الموجود من العلم ، وتمحق بركة الانتفاع به

** قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه للخطيئة يعملها )

** وقال الشافعي رحمه الله :

شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نورٌ *** ونور الله لا يُعطى لعاص

** وقال شيخ الإسلام رحمه الله : ( والله ــ سبحانه
ــ جعل مما يعاقب به الناس على الذنوب سلب الهدى والعلم النافع ، كما قال
تعالى ( ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة )

نسأل الله أن يثبت قلوبنا على طاعته ، ويجنبنا اسباب معصيته
إنه ولي ذلك والقادر عليه
وإلى صارف آخر من صوارف الحق
والحمد لله رب العالمين.

الصارف الخامس : ( كثرة أهل الباطل )

*
* * إذا رأى المرء كثرة القائلين بقول أو المنتحلين لمذهب فإن ذلك يحمله
على متابعتهم ، فإن الناس كما سبق أن بينا كأسراب الطير يتبع بعضهم بعضا
وكثرة أهل المذهب تجعل البعض يتوهم ضعف قول مخالفهم ، وذلك لتوهمه امتناع اجتماع العقول الكثيرة على قول ساقط ومذهب باطل

وهذه هي حجة أهل الضلال من قبل ومن بعد ، قال فرعون لموسى عليه السلام
متهكما ساخرا : ( فما بال القرون الأولى ) ــ أي هل كل هؤلاء كانوا على
الباطل ؟!ــ
وقال في موسى ومن معه من المؤمنين : (إن هؤلاء لشرذمة قليلون)

**
قال ابن القيم رحمه الله ( فالمؤمنون قليل في الناس ، والعلماء قليل في
المؤمنين ــ قلت : والراسخون في العلم قليلون في العلماء ــ وإياك أن تغتر
بما يغتر به الجاهلون ، فإنهم يقولون لو كان هؤلاء على حق لم يكونوا أقل
الناس ، ومن خالفهم فمشبهون بالناس وليسوا بناس ، فما الناس إلا أهل الحق ،
وإن كانوا أقلهم عددا )

** وقال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه : ( لا يكن أحدكم إمعة ، يقول :
أنا مع الناس ، ليوطن أحدكم نفسه على ان يؤمن ولو كفر الناس )

* * *
وقد ذم الله سبحانه وتعالى الكثرة الغير محمودة في غير موضع من كتابه
الكريم ، فقال : (َوإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن
سَبِيلِ اللّهِ ) وقال سبحانه : ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ
بِمُؤْمِنِينَ ) وقال سبحانه : ( وقليل من عبادي الشكور )

* * *
والمبطلون من أهل البدع يروجون لمذهبهم بدعوى الأكثرية ، كما تزعم الرافضة
والأشاعرة أنهم أكثر المسلمين ، هذا فضلا عن مغالطتهم وتكذيبهم للواقع
فيما يدعونه ، والذي لا مرية فيه : أن الحق لا يُعرف بكثرة أتباعه دون
النظر فيه وعرضه على الكتاب والسنة ، والنصوص كثيرة كما سبق وقدمنا ناطقة
بأن الكثرة في ضلال وباطل .
( وإن تُطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ) ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون )
ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .

* * * وتدبر كيف يأتي النبي يوم القيامة ومعه الرهط ، والنبي ومعه الرجلان ، والنبي وليس معه أحد .

فإن قلت : إن هرقل لما سأل أبا سفيان عن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم أيزيدون ؟
قال أبو سفيان : نعم ، فقال هرقل : وكذلك الإيمان .
فجُعلت الكثرة معيارا على صحة النبوة .

فالجواب على هذا من وجهين :

الأول : أنه سأله عن الزيادة ولم يسأله عن الكثرة وبينهما فرق ، فعددهم كان
في زيادة وليس في نقصان ، ومجموع الزيادة بالنسبة إلى سائر الخلق قليل ،
وهذا المفهوم مطابق لمنطوق قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( بدأ الإسلام
غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ، فطوبى للغرباء )

الثاني : أن هذا المفهوم لم يستدل به هرقل لوحده ، بل كان بعد ان استدل بسائر الأمور على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم .

**قال
العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد شفاه الله وعفاه وقواه : ( دعوى الأشاعرة
أن الأكثرية من من المسلمين أشاعرة ، هي دعوى يكذبها الواقع لأمور :

منها :
إن أهل القرون الثلاثة المفضلة من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم كان
اعتقادهم يمثل أنوار الكتاب والسنة بما عرف بعد باسم (( عقيدة السلف )) سوى
ما ذر قرنُه من أفراد المبتدعة الذين كاسرهم السلف ، وهزموهم ، (( فهذه
ثلاثة قرون ))

ومنها
: إن عامة المسلمين يُمثلون الأكثر في كل قرن بعد ، والمسلمون على دين
الفطرة ، فكل مولود من المسلمين هو على عقيدة السلف ، وما يكون أشعريا منهم
إلا من اجتالته مدرستهم ) انتهى كلامه عافه الله .

* * *
وإياك أخي الكريم أن تضعف وتفتر عن اعتقاد الحق والتزامه لكثرة المخالفين
والمناوئين ، فترضى بالدون والباطل ، فلا تستوحش من قلة الرفيق بل استعن
بالله واصبر ، والعاقبة للمتقين .

** قال
ابن أبي العز الحنفي ــ شارح الطحاوية ــ : ( ومتى ضعف صبره ويقينه رجع من
الطريق ولم يتحمل مشقتها ، لا سيما إذا عُدم الرفيق ، واستوحش من الوحدة ،
وجعل يقول : أين ذهب الناس ، فلي بهم أسوة )

* * *
وهذه هي حال أكثر الخلق ، وهي التي أهلكتهم ، فالبصير الصادق لا يستوحش من
قلة الرفقاء ، ولا من فقدهم ، إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول : (
الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك
رفيقا )

** قال
الآجري الحافظ الكبير ــ صاحب كتاب الشريعة ــ : ( إن الأهواء المضلة تكثر
، فيضل بها كثير من الناس ، ويبقى أهل الحق الذين هم على شريعة الإسلام
غرباء في الناس )

* * *
ومع هذا ينبغي على داعية الإصلاح أن يسعى في تكثير سواد أهل الحق ،
والأنبياء يتفاضلون أيضا بكثرة أتباعهم ، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم
: ( تزوجوا الودود الولود فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة )

** قال العلامة بن سعدي ــ شيخ الشيخ ابن عثيمين ــ فكثرة أتباع الأنبياء من جُملة فضائلهم )

نسأل الله أن يجعلنا من أتباع خير المتبوعين صلى الله عليه وسلم ، اتباعا حقيقيا لا ادعاء . آمين .
وإلى صارف آخر بمشيئة الله .

الصارف السادس :
( التزام أصول فاسدة وسلوك طريق غير هادي )

* * * التزم أقوام سبلا غير
هدى الله وصراطه المستقيم ، وجعلوها قائدا لهم في عباداتهم وعقائدهم
ومعاملاتهم ، وأخلاقهم ، وسلوكهم ، وأعظم من ذلك أنهم جعلوا ما التزموه
حاكما على كتاب الله وسنة رسوله ومهيمنا عليهما .
فمن الناس من حكم الذوق كالصوفية ، ومنهم من حكم العقل كالمعتزلة ، ومنهم
من حكم شرعا مبدلا كاليهود والنصارى ، ومن أهل القبلة من سرى إليه بعض ــ
أو جل أو كل ــ تلك الضلالات .
ولا شك أن الأصل إذا كان فاسدا ، فإن كل ما ينبني عليه فهو فاسد ، فالباطل
لا يهدي إلى الحق بل يُضاده ، وما بُني على باطل فهو باطل .

** قال شيخ الإسلام بحق رحمه الله : ( من ابتغى الهُدى في غير الكتاب والسنة لم يزدد من الله إلا بعدا )

* * * فالطريق إلى الله والهادي إلى الحق طريق واحد ، والصوارف عن الحق سبل
كثيرة جدا ، قال تعالى ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا البل
فتفرق بكم عن سبيله ) وقال تعالى ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات
إلى النور) فكان الحق نورا واحدا ، والباطل ظلمات متعددة .

* * * ورد الأمر إلى الذوق أو العقل يُوجب الشر والفساد والتناقض الذي هو
أمارة الضلال فيصبح الناس كما قال تعالى في ( قول مختلف ) وسبب ذلك أن
الأذواق والعقول متباينة غاية التباين كما لا يخفى ، و قد عظمت الفتنة في
تعظيم العقل على النقل ، لاسيما في زماننا هذا الذي اصطلح عليه بعصر (
العولمة ) وذلك بسبب الطفرة الكبيرة في الإنجازات المادية ، فأصاب أهلها
العُجب والغرور ، فجعلوا عقولهم حاكمة على الشرع وعلى ما لم يحيطوا به علما
، وهؤلاء بفعلهم هذا صاروا قادحين في العقل نفسه .

** قال ابن القيم : ( فلو قُدم حكم العقل عليه ــ أي النقل الصحيح ــ لكان ذلك قدحا في شهادته ، فإذا بطلت شهادته بطل قبول قوله )

* * * واعلم أخي الحبيب أن كل قوم يدعون أن ما هم عليه هو الحق ، وأن ذلك مقتضى العقل .

** قال شيخ الإسلام : ( وليست
العقول شيئا واحدا بينا بنفسه ، ولا عليه دليل معلوم للناس ، بل فيها هذا
الاختلاف والاضطراب ،فتعذر أن يُحال الناس على شيء لا سبيل إلى ثبوته
ومعرفته ، ولا اتفاق للناس عليه )

** وقال ابن القيم تلميذه البار : ( إنه وقع من تحكيم الذوق من إفساد ما لا
يعلمه إلا الله ، فإن الأذواق مختلفة في أنفسها ، كثيرة الألوان متباينة
أعظم التباين فكل طائفة لهم أذواق وأحوال ومواجيد ، بحسب معتقداتهم وسلوكهم
)

* * * واعلم أنه ينبغي على
طالب الحق أن يطلب أدلة الشرع بفهم السلف ، وإلا فكم طالب للحق وقع في
مهاوي الضلال بسبب ركونه إلى القواعد المبتدعة التي ألصقت بالشريعة ، وصارت
سببا لرد النصوص وتعطيلها ، فيأتي من لا خبرة له بفساد هذه القواعد فيظنها
شرعية فيلتزمها فيضل ، فالواجب الكشف عن هذه القواعد وتمحيصها قبل
التزامها وتطبيقها .

** قال الشوكاني رحمه الله : ( وكثيرا ما تجد في علم الكلام الذي يسمونه
أصول الدين قاعدة قد تقررت بينهم واشتهرت ن وتلقفها الآخر من الأول وخطوها
جسرا يدفعون به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، فإذا كشفت عنها وجدتها
في الأصل كلمة قالها بعض حكماء الكلام زاعما انه يقتضي ذلك العقل ويستحسنه
، وليس إلا مجرد الدعوى على العقل ، وهو عنه بريء ، فإنه لم يقض بذلك
العقل الذي خلقه الله في عباده ــ على الفطرة ــ بل قضى به عقل قد تدنس
بالبدع وتكدر بالتعصب وابتلي بالجهل بما جاء به الشرع وجاء بعده من هو أشد
بلاء منه ، وأسخف عقلا وأقل علما ، وأبعد عن الشرع فجعل ذلك قاعدة عقلية
ضرورية ، فدفع بها جميع ما جاء عن الشارع ، عرف هذا من عرفه وجهل هذا من
جهله )

لله درك من إمام راسخ في العلم ، كلمات من نور ، يهتدي بها الحيران التائه في ظلمات البدع والضلالات .
وإلى صارف آخر أخي القاريء .
والحمد لله رب العالمين .

الصارف السابع : ( التقليد الأعمى )

*
* * المقلد الأعمى سماه السلف بالإمعة ، و المقلد تقليدا أعمى يلتزم قول
عالم مطلقا في جميع المسائل ، وهذا لا شك أعطاه معنى العصمة من حيث لا يشعر
، فلا أحد قوله صواب مطلقا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالحق يدور
معه حيث دار .

**
قال شيخ الإسلام : ( فالثواب على ما جاء به الرسول والنصرة لمن نصره ،
والسعادة لمن اتبعه ، وصلوات الله وملائكته على المؤمنين به والمعلمين
الناس دينه ، والحق يدور معه حيث دار )

*
* * فالواجب على المسلم أن يدور حيث دار الحق ، لايدور حيث دار شيخه ،
وهذا المنهج لاشك أنه يحمل على طلب الحق وتحريه ، بخلاف المقلد خامد الذهن
بليد الفكر مغبون العقل .

** قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله : ( المقلد راض أن يُغبن عقله )

** وقال شيخ الإسلام : ( فإن التقليد لا يورث إلا بلادة )

*
* * وهذا الذي قالاه صحيح لا مرية فيه ، لأن غاية ما يقوم به المقلد هو
الاعتزاء ــ أي الانتساب ــ إلى عالم ، فيأخذ القول ولا يدري ما دليله ،
وهل له دليل صحيح ؟! وهل الدليل في محل الاستدلال؟ ولا يدري حقيقة قول
مخالفه , ولا يعرف مناط الخلاف فضلا عن تنقيحه ، فهذه الطريقة تُولد بلادة
وجمودا في التفكير .

***
والتقليد اليوم لا يقتصر على تقليد قول شيخ وإنما تقليد أعمى لمحتويات
المواقع يقوم المقلد بالـ ( كوبي بيست ) ناقلا للمسلمين من مواقع مسمومة
ناسيا أو متناسيا أمانة الكلمة ، وأنه محاسب يوم القيامة على كل كلمة
كتبتها أنامله أو نقلها ، والعجب الذي لا ينقضي منه المرء أن هؤلاء يقعون
في التناقض من حيث لا يشعرون لأنهم ينقلون كلاما ما فهموه ، ولو طلبت من
أحدهم المصدر أو الكتاب أحالك على محركات البواحث .
والله المستعان .

**
قال العلامة ابن سعدي شيخ شيخنا ابن عثيمين رحمهما الله وجمعنا بهم
والقراء في مستقر رحمته : ( فإن من اعتاد الجري على أقوال لا يبالي دل
عليها دليل صحيح أو ضعيف أم لم يدل ، يخمد ذهنه ولا ينهض بطلب الرقي
والاستزادة في قوة الفكر والذهن )

* * * فالتقليد الأعمى من أعظم الصوارف عن الحق ، لأن صاحبه يلتزم قول عالم ينتصر له انتصارا مطلقا .

**
قال الوزير بن هبيرة ــ صاحب الإفصاح ــ : ( من مكايد الشيطان أنه يُقيم
أوثانا في المعنى تُعبد من دون الله ، مثل أن يتبين له الحق ، فيقول : هذا
ليس بمذهبنا ، تقليدا لمُعظم عنده ، قد قدمه على الحق )

*
* * ولا يُوجد عالم قوله كله صواب ، بل كل يؤخذ من قوله ويُرد ، ولا يشترط
في العالم الرباني ألا يُخطيء ، وهذا من حكمة الله سبحانه وتعالى لئلا
يختلط معنى العالم بمعنى النبي .

** قال شيخ الإسلام : ( ليس من شرط الصدّيق أن يكون قوله كله صحيحا ، وعمله كله سنة ، وإلا كان بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم )

* * * فإذا امتنع أن يكون الحق في قول عالم واحد مطلقا ، علمت أخي الكريم ما في التقليد مما يُوجب مجانبة الحق .

** قال العلامة بن بدران الدمشقي : ( التقليد يُبعد عن الحق ويروج الباطل )

*
* * وليس معنى هذا ، أن يستقل طالب العلم والحق بنفسه في النظر بالنصوص
كما يفعله البعض ، وما هو موجود الآن مع غاية الأسف في المنتديات والمواقع ،
يأتي من ليس أهلا لفهم كلام أهل العلم فضلا أن ينظر في النصوص باستقلالية ،
فيحصل لهم بسبب ذلك من الشذوذ ما هو معلوم .
بل الواجب على طالب العلم والحق أن يستعين بالعلماء في فهم النصوص ، فهناك فرق بين تقليد العالم ، وبين الاستعانة به .

**
قال العلامة الصنعاني ــ صاحب سبل السلام ــ : ( وفرق بين تقليد العالم في
جميع ما قاله وبين الاستعانة بفهمه ، فإن الأول أخذ بقوله من غير نظر في
دليل من كتاب ولا سنة ،
أما الاستعانة بفهمه وهو الثاني : بمنزلة الدليل في الطريق )

*
* * وهذا ذكرته ، لأن البعض غلا وتطرف في منابذة التقليد ، وحمله ذلك على
الانعزال عن العلماء وعدم الاستفادة من علمهم ، فألغى وسيلة من أعظم وسائل
الفقه في الدين .

*
* قال شيخ الإسلام : ( فأئمة المسلمين الذين اتبعوهم ، وسائل وطرق بين
الناس وبين الرسول ، يبلغونهم ما قاله ، ويفهمونهم مراده بحسب اجتهادهم
واستطاعتهم )

اللهم ارحم علمائنا ومشائخنا ، وبارك لنا ومتعنا بحياتهم .
واجعلهم سدا منيعا يصون حوزة العقيدة والدين ، آميــــــــــــن .
(بتصرف) يناسب واقع المنتديات.
وإلى صارف آخر من الصوارف عن الحق .
إن شاء الله .

الصارف الثامن :( الكِبر )

*
* * الكبر هو الذي حمل إبليس على الكفر برب العالمين عنادا وخروجا عن
طاعته ، وهو من موانع إيمان اليهود بنبينا صلى الله عليه وسلم مع معرفتهم
التامة بصدق نبوته كمعرفتهم أبنائهم .

**
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( ولهذا تجد اليهود يصممون ويُصرون على
باطلهم ، لما في نفوسهم من الكبر والحسد والقسوة وغير ذلك من الأهواء )

* * * وبهذا يتبين أن الكِبر هو أحد الصوارف عن قبول الحق ، وهو كذلك بلا ريب .
والكبر يملأ صاحبه غرورا ، ويجعله يذهب بنفسه ارتفاعا بها أن يظن أن الحق
في غير جانبه ، ويمنعه من اتهام نفسه بحال من الأحوال بمجانبة الحق ، وهذا
شأن أهل الأهواء .
أما أهل الحق ، فهم أشد الناس تواضعا واتهاما لأنفسهم وبحثا عن الحق وطلبه ،
فلذلك لا يستنكفون عن مراجعة عقولهم وطلب الحقائق ، لا سيما في موارد
الإشكال .

** قال الشاطبي رحمه الله : ( فأهل الأهواء إذا استحكمت فيهم أهواؤهم لم
يبالوا بشيء ، ولم يعدوا خلاف أنظارهم شيئا ، ولا راجعوا عقولهم مراجعة من
يتهم نفسه ويتوقف في موارد الإشكال ــ وهو شأن المعتبرين من أهل العقول )

* * * وهؤلاء المتكبرون احتقروا مخالفهم ، وحملهم ذلك على عدم الالتفات إلى قول المخالف استبعادا للحق أن يكون في غير جهتهم .

**
قال ابن الجوزي رحمه الله : ( والمتكْبر يرى نفسه أعلى من الغير ، فتحصل
له هزة وفرح وركون له إلى ما اعتقده ، وذلك نفخ الشيطان كما في حديث ابن
مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم :
[ كان يتعوذ من الشيطان ، من همزة ونفثه ونفخه ]
قال همزه : الموتة ، ونفثه : الشعر ، ونفخه : الكبرياء )

** وقال شيخ الإسلام مبينا حقيقة ما تنطوي عليه النفوس : ( منها ــ أي
طبائع النفوس ــ مسارقة الطبع إلى الانحلال من ربقة الاتباع ، وفوات سلوك
الصراط المستقيم ، وذلك أن النفس فيها نوع من الكِبر فتحب أن تخرج من
العبودية والاتباع بحسب الإمكان ، كما قال أبو عثمان النيسابوري رحمه الله :
ما ترك أحد شيئا من السنة إلا لكبر في نفسه )

* * * والحق واضح سهل فُطر الناس على معرفته ومحبته وقبوله ، إلا من انحرفت فطرته ، أما كونه ثقيل فهذا باعتبار من لم تتهذب نفسه .

**
قال الراغب الأصبهاني : ( وقولهم ــ الحق مر ــ فهو باعتبار من لم تتهذب
نفسه ، ولم يَزُل مرضه ، فأما من كَمُل فإنه يستطيب الحق وإن كان ثقيلا ،
كما قال عليه الصلاة والسلام : "وجُعل قرة عيني في الصلاة " ومن أصلح
خُلُقه وهذب نفسه حاز أعظم المآلين )

* * * فمن لم تتهذب نفسه على قبول الحق فهي تحتاج إلى رياضة وتربية، حتى تألف الحق وتنقاد له.

** قال الخطابي : ( والبشر لا ينتقل عن طباعه ، ولا يترك ما ألفه من عادته إلا بالرياضة البليغة ، والمعالجة الشديدة )

** وقال شيخ الإسلام بعد أن ذكر أنواع العلوم النافعة والضارة : ( ففي
الإدمان على معرفة ذلك تعتاد النفس العلم الصحيح ، والقضايا الصحيحة
الصادقة ، والقياس المستقيم ، فيكون في ذلك تصحيح الذهن والإدراك ، وتعود
النفس أنها تعلم الحق وتقوله ، لتستعين بذلك على المعرفة التي هي فوق ذلك )

*
* * ومن علامات كِبر المتكبر أنه يرى أنه عنده شيئا من العلوم ليس عند
غيره ، فيستغني بذلك عن الاستزادة والتصحيح والتنقيح لما عنده .

ومن علاماته أنك تراه غير مبال بكلام غيره من مخالفيه ، وربما تكلم أحدهم
بحضرته فتراه حاضر الجسد غائب القلب ، لا يُرعي سمعه إلى مخالفه ، وربما
مرر كلامه المكتوب دون قراءة ، لا يبالي به ولا يتأمله .

* * * وهذا المتكبر لا شك أنه جاهل بحقيقة حاله ، ولعل من أسباب كبره هو
عكوف من لا علم عنده عليه ، وكثرة المشيدين به ممن هم بسطاء ، وهذا لو خالط
الأكفاء لعرف قدر نفسه.

** قال أبو الحسن الماوردي : ( وللكبر أسباب : فمن أقوى أسبابه علو اليد ونفوذ الأمر وقلة مخالطة الأكفاء ) وصدق رحمه الله.

وإلى صارف آخر من الصوارف
إن شاء الله ، والحمد لله رب العالمين .

الصارف التاسع : ( الاعتقاد ثم الاستدلال )

* * * الواجب على المسلم أن لا يقول حتى يقول الله ورسوله كما أمره الله
تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله )

وهكذا كان الصحابة لا يعتقدون ، ولا يقولون حتى يقول الله ورسوله ، ثم
ظهرت الأهواء بعد انقراض عهد الصحابة ، وخلفت خلوف تعتقد ثم تستدل ، فالدين
ما قالوه ، والشرع ما انتحلوه ، وما كانت الأدلة تخالفه تأولوه .

فهذا من أعظم الفوارق بين صاحب السنة وصاحب البدعة ، فصاحب السُنة يؤخر
هواه ويجعله تبعا للأدلة ، وصاحب البدعة يجعل هواه حاكما على الشرع .

**
قال الشاطبي رحمه الله : ( ولذلك سُمي أهل البدع بأهل الأهواء ، لأنهم
اتبعوا أهواءهم فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها والتعويل
عليها ، حتى يصدروا عنها ، بل قدموا أهواءهم واعتمدوا على آرائهم ، ثم
جعلوا الأدلة الشرعية منظورا فيها من وراء ذلك )

** وقال رحمه الله أيضا : ( المبتدع جعل الهوى أول مطالبه ، وأخذ الأدلة بالتبع )

*
* * ولما كانت هذه طريقة أهل البدع بعتقدون ثم يستدلون ، والنصوص لا
تستقيم مع أهوائهم فوقعوا في تحريف النصوص ، فجمعوا بين سوأتين عظيمتين
التقدم بين يدي الله ورسوله ، وتحريف كلام الله ورسوله .

**
قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على آرائهم ،
تارة يستدلون بآيات الله على مذهبهم ولا دلالة فيها ، وتارة يتأوْلون ما
يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه ، ومن هؤلاء فِرق الخوارج ،
والجهمية ، والمعتزلة ، والقدرية ، والمرجئة ، وغيرهم )

** وقال أيضا رحمه الله : ( فعلى كل مؤمن أن لا يتكلم في شيء من الدين إلا
تبعا لما جاء به الرسول ، ولا يتقدم بين يديه ، بل ينظر ما قال ، فيكون
قوله تبعا لقوله ، وعلمه تبعا لأمره ، فهكذا كان الصحابة ومن سلك سبيلهم من
التابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين ، فهؤلاء لم يكن فيهم من يعارض النصوص
بمعقوله ، ولا يُؤسس دينا غير ما جاء به الرسول ، فمنه يتعلم وبه يتكلم
وفيه ينظر ويتفكر ، فهذا أصل أهل السنة )

*
* * وهذا الداء لم يتلبس به أصحاب البدع الكبيرة فقط ، بل هو خفي لا يكاد
يسلم منه إلا من عصمه الله ، فمن أجل خفائه وعظيم فساده للأديان حذر
العلماء منه وبينوا ما قد يقع حتى منهم نصيحة للأمة .

**
قال أبو محمد ابن حزم ــ صاحب المحلى ــ : ( وإذا ورد عليك خطاب بلسان أو
هجمت على كلام في كتاب ، فإياك أن تقابله مقابلة المغاضبة الباعثة على
المغالبة قبل أن تتيقن بطلانه ببرهان قاطع ، وأيضا فلا تُقبل عليه إقبال
المصدق به المستحسن إياه قبل علمك بصحته ببرهان قاطع ، فتظلم في كلا
الوجهين نفسك ، وتبعُد عن إدراك الحقيقة ، ولكن إقبل سالم القلب عن النزاع
عنه والنزوع إليه ، لكن إقبال من يُريد حظ نفسه في فهم ما سمع ورأى ،
التزود به علما ، وقبوله إن كان حسنا ، أو رده إن كان خطأ ، فمضمون لك إذا
فعلت ذلك الشكر الجزيل والحمد الكثير والفضل العميم )

* * * ولكن أين من يفعل ذلك يا أبا محمد ؟ هذا أمر لا يكاد أن يرد بأذهاننا فضلا عن نفعله .

*
* * والعلماء الربانيون يتهمون أنفسهم بذلك ولا يستنكفون أن يعلنوا للناس
به ، نصحا وبيانا للأمة لفُشُو هذا الأمر ، وتمكنه من أهل العلم إلا من عصم
الله ، خلافا لحال المتكبرين الذين ينادون على أنفسهم بالبراءة والسلامة
حتى من خفي الهوى ، ومتى يُصلح العبد حاله ؟! ويصحح أقواله وأفعاله ؟! إذا
كان لا يتهم نفسه ! .

**
قال العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني ــ ذهبي العصر رحمه الله ــ فيما
كان يعالجه من شدة في هذا الأمر الخفي : ( وقد جربت نفسي أنني ربما أنظر في
ما يخدش في ذلك المعنى ، فأجدني أتبرم بذلك الخادش ، وتنازعني نفسي إلى
الجواب عنه ، وغض النظر عن مناقشة ذلك الجواب ، وإنما هذا ، لأنني لما قررت
ذاك المعنى أولا تقريرا أعجبني صرت أهوى صحته ، هذا مع أنه لم يعلم بذلك
أحد من الناس ، فكيف إذا كنت قد أذعته في الناس ثم لاح لي الخدش ؟ فكيف لو
لم يلُح لي الخدش ؟ ولكن رجلا آخر اعترض علي به ؟ فكيف لو كان المعترض ممن
أكرهه ؟! )

* * * قلت : لله درك من إمام منصف ، وهكذا أهل السنة وأئمتهم يقولون الحق وينصحون الخلق .

جعلنا الله من أهل الإنصاف والحق ، الذين يستدلون الاستدلال الصحيح ويوفقون به للحق .
وإلى صارف آخر من الصوارف عن الحق .
جعلنا الله وإياكم من أهل الحق .
آميـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن .

الصارف العاشر : ( حِيَل أهل الباطل )

* * * ستطول وقفتنا قليلا إن شاء الله مع هذا الصارف على غير عادتنا وذلك لطول ذيول وحيل أهل الباطل .
ومما هو معلوم فإن الباطل
لا يمكن أن يقوم عليه دليل صحيح ، فلذلك يجتهد أهل الباطل في تروييج باطلهم
وتزييفه بأنواع من الحيل ، تدخل على ضعاف العلم والبصيرة .

** قال شيخ الإسلام ــ قذى
عيون المبتدعة رحمه الله سقانا الله وإياه والقاريء الكريم من سلسبيل الجنة
ــ : ( لا ريب أن الباطل لا يقوم عليه دليل صحيح لا عقلي ولا شرعي ، سواء
كان من الخبريات أو الطلبيات ، فإن الدليل الصحيح يستلزم صحة المدلول عليه .
فلو قام على الباطل دليل صحيح لزم أن يكون حقا مع كونه باطلا ، وذلك جمع بين النقيضين ، مثل كون الشيء موجودا ومعدوما )

* * * والحِيل ممنوعة في الشرع ، ومن تحايل ففيه شبه من اليهود ، والتحايل لإضلال الخلق وصرفهم عن عن الحق أشد إثما وأعظم وزرا .

** قال العز بن عبد السلام : (
ولا خير فيمن يتحيل لنصرة مذهبه مع ضعفه وبُعد أدلته من الصواب ، بأن
يتأول السنة أو الإجماع أو الكتاب ، على غير الحق و الصواب ، وذلك
بالتأويلات الفاسدة ، والأجوبة النادرة )

* * * وأهل الباطل يحترفون
التحايل لترويج مذهبهم سواء فيما ينقلونه ، أو يكتبونه ، أو يلقونه على
مسامع الناس ، أو حتى في حال معارضتهم ومجادلتهم مع أهل الحق .
وحيل أهل الباطل كثيرة ،
استقصاؤها متعثر ، لأن المتحايلين يستمدون حيلهم من الشياطين ، والشيطان
ألاعيبه كثيرة ، لا ينقضي الزمان بذكر ما يجدده لهم من أنواع وطرق الضلال
والغواية .

وحسبنا أن نشير إلى أهم وأعظم حيل أهل الباطل في صرف الناس عن الحق ، مما هو مشاهد ومما بيناه أحيانا بطريق عملي .

فمن حيلهم : ( الكذب )

* * * والكذب من أخس صفات
المنافقين ، وهو من كبائر الذنوب بإجماع المسلمين ، وهذا الكذب لا يخفى
قبحه وشناعته على أحد ، لكن أهل الضلال والابتداع اتخذوه سلما ووسيلة خسيسة
لصرف الناس عن الحق وأهله ، ولذا لا نستغرب من فُشُو الكذب في مذهبهم
الرديء وطريقتهم العرجاء .

** قال شيخ الإسلام ــ قذى
عيون أهل الباطل والابتداع ــ رحمه الله ، في شأن المُجادِل المذموم : (
وربما أوقعه ذلك في أنواع من الكذب والبدعة والظلم فيجرْه إلى أمور أخرى )

* * * وافتراء أهل الباطل
على أهل الحق ــ أهل السنة ــ تارة يكون بنقلهم لكلام أهل السنة بحسب فهمهم
الباطل ، أو بما زادوه عليهم من الألفاظ ، بل والجمل والعبارات ، أو
حرْفوه ، أو غيْروه ، أو بما اختلقوه وافتروه افتراءً.

** قال شيخ الإسلام رحمه
الله : ( فهم نقلوا عنهم بحسب الفهم الباطل الذي فهموه ، أو زادوا عليهم في
الألفاظ ، أو غيروها قدرا أو وصفا ، كما نسمع من ألسنتهم ، ونرى في كتبهم .
ثم إن بعض من يُحسن الظن
بهؤلاء النقلة قد يحكي هذا المذهب عمن حكوه عنهم ، ويَذُم ويحنث مع من لا
وجود له ، وذمه واقع على موصوف غير موجود )

* * * وقد يقع البعض منهم
في الكذب من غير قصد ، كما يفعل بعض الجهلة في النقل المجرد دون مراجعة
كلام المنقول عنه المُدعى عليه الدعاوي الباطلة ، لكنه تلقفها وتمناها ،
وصدق من قال :
إذا كان الغراب دليل قوم ** يمر بهم على جيفِ الكلاب .

* * * والغالب الأعم منهم
يتعمدون الكذب حال حكايتهم لمذهب أهل السنة وأهله وكلامهم ، لما في قلوبهم
من بُغض وكراهة للحق وأهله ، والخوف من قبول الناس له إذا حُكي على الوجه
الصحيح ، لأن الحق محبوب للنفوس الزكية والفِطر المستقيمة .

** قال شيخ الإسلام رحمه : (
فإن الإنسان إن لم يتعمد أن يلوي لسانه بالكذب أو يكتم بعض ما يقوله غيره ،
لكن المذهب الذي يقصد الإنسان إفساده لا يكون في قلبه من المحبة له ما
يدعو إلى صوغ أدلته على الوجه الأحسن حتى ينظمها نظما ينتصر به ، فكيف إذا
كان مبغضا لذلك ؟)

* * * ويقع البعض في الكذب في حكاية مذهب أهل السنة بسبب جهله بمذهبهم ، فيحكي ما يجهل فيتجنى بجهالاته على أهل السنة .

** قال المقبلي رحمه الله ــ صاحب العلم الشامخ في تفضيل الحق على المشايخ ــ :
( عدم الإحاطة بمذهب الخصم لعدم صرف الهمة إليه ، فيجهل عليه ، شنشنة من عدم الإنصاف الذي هو أصل الخلاف )

والإنصاف عزيز
وإلى حيلة اخرى أخي القاري الكريم
من حيل أهل الباطل
من الصارف العاشر من الصوارف عن الحق .
والحمد لله رب العالمين .

ومن حيلهم : ( الشناعة على الحق وأهله )

* * * من حيل أهل الباطل الشناعة على الحق وأهله ، وذلك لصرف الناس عن أهل الحق وسماع أقوالهم ، خوفا أن يفتضح باطلهم .
فيضربون
بشناعتهم حجابا وحائلا وسترا ، يحول بين الناس وبين الحق وأهله ، فإن
النفس متى أُلقيت عليها هذه الشناعات وقَبِلتها ، فإنها تهرب وتفرّ من
مؤانسة المطعون فيهم ، ويستقر مقتهم وبغضهم في قلوبهم ، ومتى حصل لهم ذلك ،
حُرموا خيرهم وأُغلق دونهم باب من أبواب معرفة الحق.
وهذا
هو جنس ما فعله أعداء النبيين بالنبيين والرسل وأتباعهم ، فوصفوهم بأقبح
الأوصاف ، وسموهم بأبشع الأسماء ، ولقبوهم بأخبث الألقاب ، فقال مشركوا
قريش عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ساحر ، مجنون ، كذاب ، . .
فسلكوا
سبيل أسلافهم المكذبين برسلهم : ( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا
قالوا ساحر أو مجنون ) سورة الذاريات ، الآية 52 ، وكأني بك أخي القاريء
وكأنك لم تقرأها من قبل .

وكذلك فعل أهل الباطل مع ورثة الأنبياء فوصفوهم بالحشوية ، والمجسمة ، والمشبّهة .

**
قال أبو عثمان الصابوني ــ صاحب عقيدة السلف أصحاب الحديث وهو من أئمة
القرن الثالث ــ : ( رأيت أهل البدع في هذه الأسماء التي لقبوا بها أهل
السنة ، ولا يلحقهم شيئا منها فضلا من الله ومنة ، سلكوا معهم مسلك
المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنهم اقتسموا القول فيه ،
فسماه بعضهم ساحرا ، وبعضهم كاهنا ، وبعضهم شاعرا ، وبعضهم مجنونا ، وبعضهم
مفتونا ، وبعضهم مفتريا مختلقا كذبا ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم من
تلك المعائب بعيدا بريئا ، ولم يكن إلا رسولا مصطفا نبيا ، قال الله عز وجل
: ( انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا )
وكذلك
المبتدعة ــ خذلهم الله ــ اقتسموا القول في حملة أخباره ، ونقلة آثاره ،
ورواة أحاديثه ، المقتدين به ، المهتدين بسنته ، المعروفين بأصحاب الحديث ،
فسماهم بعضهم حشوية ، وبعضهم مشبّهة ، وبعضهم نابتة ، وبعضهم ناصبة ،
وبعضهم جبرية ، وأصحاب الحديث عصامة من هذه المعايب ، بريئة زكية نقية ،
وليسوا إلا أهل السنة المضيّة ، والسيرة المرضية ، والسبل السوية ، والحجج
البالغة القول ) انتهى كلامه رحمه الله .

*
* * وما يفعله غلاة الصوفية القبورية ــ قبحهم الله ــ أيضا من الشناعة
على أئمة الهدى ، افترائهم على أئمة السنة وادعائهم عليهم ووسمهم (
بالوهابية ) وهذا اللقب لا حقيقة له البتّة ، ولم يتسمَ أهل الحق به ولم
يعتزوا إليه ،وإنما أوحى إبليس لهم به فاتبعوه ، نعوذ بالله من الخذلان .

**
قال الشاطبي من أئمة أهل الأندلس ــــ السليبة ــــ: ( إذا وجدوا جاهلا
عاميا ألقوا عليه في الشريعة الطاهرة إشكالات ، حتى يزلزلوهم ويخلطوا عليهم
ويُلبسوا دينهم ، فإذا عرفوا منهم الحيرة والالتباس ألقوا إليهم من بدعهم
على التدريج شيئا فشيئا ، وذموا أهل العلم بأنهم أهل الدنيا المُكِبّون
عليها ، وأن هذه الطائفة هم أهل الله وخاصته )

وإلى حيلة اخرى أخي القاري الكريم
من حيل أهل الباطل
من الصارف العاشر من الصوارف عن الحق .
والحمد لله رب العالمين .

ومن حِيَلهم : ( إخراج الباطل في قالب الحق )

* * * راج الباطل عند كثير ممن يقف عند الألفاظ ولا يتأمل حقيقتها وما
يراد بها ، فلذلك يتحايل أهل الباطل بإخراج باطلهم في قالب شرعي .
والمحققون المبصرون لا تنطلي عليهم مثل هذه الحيل ، بل يتأملون ما وراء تلك الألفاظ ويظهرون زيفها للناس .
ولما كفّرَّ الخوارج الصحابة قالوا : ( إن الحكم إلا لله )

فرد عليهم أمير المؤمنين علي ٌ رضي الله عنه ، وهو البصير بضلالهم ، بقوله : ( كلمة حق أريد بها باطل )

** وقال ابن القيم في شأن هذا كلمة نفيسة جامعة لأصول مذاهب البدع ،
في كتابه الماتع ـــ إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان ـــ :

" أخرجت الجهمية التعطيل في قالب التنزيه.

وأخرج المنافقون النفاق في قالب الإحسان والتوفيق والعقل المعيشي.

وأخرج الظلمة الفجرة الظلم والعدوان في قالب السياسة ، وعقوبة الجناة.

وأخرج المكَّسون ــ الذين يضربون على الناس المكوس والضرائب ظلما ــ أكل المكوس في قالب إعانة المجاهدين وسد الثغور وعمارة الحصون.

وأخرج الروافض ــ أخزاهم الله ـــ الإلحاد والكفر والقدح في سادات الصحابة
وحزب رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وأوليائه وأنصاره في قالب محبة
أهل البيت ، والتعصب لهم وموالاتهم.

وأخرجت الإباحية وفسقة المنتسبين إلى الفقر والتصوف بدعهم وشطحهم في قالب الفقر والزهد والأحوال والمعارف ومحبة الله ونحو ذلك.

وأخرجت الاتحادية ــ أصحاب القول بوحدة الوجود ومنهم ابن عربي الهالك ــ
أعظم الكفر والإلحاد في قالب التوحيد ، وأن الوجود واحد لا اثنان ، فليس
هاهنا وجودان : خالق ومخلوق ، ولا رب وعبد ، بل الوجود كله واحد ، وهو
حقيقة الرب .

وأخرجت القدرية ــ القائلون بالقدر وهم مجوس هذه الأمة ، الذين قالوا بأن
الله لا يعلم أفعال عباده حتى تقع ويعملوها ــ إنكار عموم قدرة الله تعالى
على جميع الموجودات : أفعالها ، وأعيانها ، في قالب العدل ، وقالوا : لو
كان الرب قادرا على أفعال عباده لزم أن يكون ظالما لهم ، فأخرجوا تكذيبهم
بالقَدَر في قالب العدل .

وأخرجت الجهمية ــ قبحهم الله ــ جحدهم لصفات كماله ــ سبحانه ــ في قالب
التوحيد ، وقالوا : لو كان له سمع وبصر وقدرة وحياة وإرادة وكلام يقوم به ،
لم يكن واحدا ، وكان آلهة متعددة .

وأخرجت الفسقة والذين يتبعون الشهوات الفسوق والعصيان في قالب الرجاء وحسن
الظن بالله تعالى ، وإساءة للظن به ، ونسبة له إلى خلاف الجود والكرم
والعفو.

وأخرجت الخوارج قتال الأئمة ، والخروج عليهم بالسيف في قالب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وأخرج أرباب البدع جميعهم بدعهم في قوالب متنوعة بحسب تلك البدع .

وأخرج المشركون شركهم في قالب التعظيم لله ، وأنه أجلّ من أن يُتقرب إليه بغير وسائط وشفعاء ، وآلهة تقربهم إليه .

فكل صاحب باطل لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالب حق "
انتهى كلامه رحمه الله .

* * * وهذا الكلام النفيس لم أجده في موطن واحد ، فتأمله أخي الكريم غاية التأمل واعرفه ، فإنه نفيس .

وإلى حيلة اخرى أخي القاري الكريم من حيل أهل الباطل
من الصارف العاشر من الصوارف عن الحق .
والحمد لله رب العالمين .

ومن حيل أهل الباطل: ( استعمال المجمل )

وهذه طريقة المبتدعة

يستعملون المجمل من الكلام ليخدعوا بسطاء الناس بما يُشبهون عليهم من شبهات ، فيستعملون لفظا مجملا، يصلح حمله على ما هو حق وما هو باطل ولا يُفصلون لأن هذا يُظهر حقيقة الأمر ويُبينه .

** قال شيخ الإسلام ابن تيمية قذى عيون أهل الابتداع:

( فإذا وقع الاستفصال والاستفسار انكشفت الأسرار ، وتبين الليل من النهار )

وقال أيضا:

(و مما ينبغي أن يُعلم أن سبب ضلال غالية الشيعة وغيرهم ثلاثة أشياء:
أحدها: ألفاظ متشابهة مجملة مشكلة، عدلوا عن الألفاظ الصريحة المحكمة وتمسكوا بها ــ أي بالمتشابهة ــ
وهم كلما سمعوا لفظا لهم فيه شبهة ، تمسكوا به وحملوه على مذهبهم ، وإن لم يكن دليلا على ذلك .
والألفاظ الصريحة المخالفة لذلك ، إما أن يفوضوها ، وإما أن يتأولوها كما ي
يصنع أهل الضلال يتبعون المتشابه من الأدلة العقلية والنقلية السمعية ، ويعدلون عن المحكم الصريح من القسمين )

* * * وصدق الله العظيم:

( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة )

واتباع المجمل سبب لمجانبة الحق ولزوم الصدق.

* * قال شيخ الإسلام رحمه الله :

( فإنه يجب أن يُفسر كلام المتكلم بعضه ببعض ، ويؤخذ كلامه هاهنا وهاهنا ، وتُعرف ما عادته بعينه ويريده بذلك اللفظ إذا تكلم به ، وتُعرف المعاني التي عُرف أنه أرادها في موضع آخر ، فإذا عُرف عُرفه وعادته في معانيه وألفاظه كان هذا مما يُستعان به على معرفة مراده .
وأما إذا استعمل لفظة في معنى لم تجرِ عادته باستعماله فيه ، وترك استعماله في المعنى الذي جرت عادته باستعماله فيه ، وحُمل كلامه على خلاف المعنى الذي قد عُرف أنه يريده بذلك اللفظ يجعل كلامه متناقضا ، ويترك كلامه على ما يناسب سائر كلامه ، كان ذلك تحريف لكلامه عن موضعه ، وتبديلا وكذبا عليه )

* * * كلام كالذهب يعرفه أهل العلم والتحقيق

فما أكثر الكذابين !

وما أكثر المحرفين !

وما أكثر الدجالين !

وإلى حيلة أخرى
من حيل أهل الباطل والشبهات
من الصارف العاشر
من صوارف الباطل عن الحق
إن شاء الله .

تقاعس أهل الحق .

*** ومن أسباب رواج الباطل،
تقاعس أهل الحق في الذب عن الحق ونصرته، وربما اتكل أهل الحق بعضهم على بعض في ذلك، ولم يقم البعض بواجب الكفاية فراج الباطل وانتشر.

** قال ابن قتيبة رحمه الله:

( وإنما يقوى الباطل بالسكوت عنه )

** وقال ابن عقيل رحمه الله:

( لو سكت المُحِّقون ونطق المبطلون لتعود الناس ما شاهدوا وأنكروا ما ما لم يشاهدوا ، فمتى رام المتدين إحياء سّنة أنكرها الناس وظنوها بدعة )

** وقال شيخ الإسلام رحمه ابن تيمية :

( وكلما ضعف من يقوم بنور النبوة قويت البدعة )

*** والواجب أن يقوم أهل الحق بواجبهم من النصح لله ورسوله ، والنصرة لدين الله والذب عنه وحفظه من الضلالات والأهواء ، كما أمرنا الله بقوله:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ )
ولا ينبغي لأحد أن يترك ما أمره الله به من رد الباطل ونصرة الحق ، لما يقوم به أهل الباطل من أمور منكرة لثني أهل الحق عن الصدع بالحق .

** قال العلامة ابن الوزير:
( لو أن العلماء تركوا الذب بالحق ، خوفا من كلام الخلق ، لكانوا قد أضاعوا كثيرا ، وخافوا حقيرا )

** وقال الشوكاني:
( ومنهم من يترك التكلم بالحق والإرشاد إليه مخافة الضرر، فإنه لو تكلم بشيء خلاف ما قد عملوا عليه ونشروه في الناس لخشي على نفسه وأهله وماله وعرضه )

ولنا وقفة أخرى إن شاء الله

مع هذا الصارف

لشدة ظهوره في عالم الناس اليوم

إن شاء الله .

الصارف الثاني عشر : العُجب

*** العُجب يحمل صاحبه على تعظيم نفسه فيستغني بما هو عنده

فيرى أن الحق لا يصدر إلا عنه

كأنه موكل به

وهذه صفة أهل الكفر

**
قال تعالى : ( فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا
بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ
يَسْتَهْزِئُون )

** وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي وغيره:

( إذا رأيت هوى متبعا ، وشحا مطاعا ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه

فعليك بخاصة نفسك )

*** وإذا أعجب المرء بنفسه واستغنى بما عنده

فقد تمت خسارته

لأنه لا يُمكن أن يلتفت إلى قول غيره

فضلا عن أن يقبله إذا كان حقا

** قال شيخ الإسلام رحمه الله :

( ألا ترى أن الذي يُعظم نفسه بالباطل :

يُريد أن ينصر كل ما قاله ولو كان خطأ ً ؟)

*** والنفس تأنف من الانقياد والإتباع

ومركوز فيها نوع من الكبر ومدافعة المخالف

إلا من رحم الله وعصم

والعجب والكبر متداخلان

فلا يُبلى بالعُجب إلا متكبر

** قال ابن حبان : ( إنه لا يتكبر على أحد حتى يعجب بنفسه

ويرى لها على غيرها الفضل )

*** والعبد مفطور على محبة نفسه والعُجب بها

فإذا لم ينتصف العبد من نفسه

أوقعه ذلك في الضلالات

قال شيخ الإسلام رحمه الله :

( وحُبُّك الشيء يُعمي ويُصِمُّ

والإنسان مجبول على محبة نفسه ، فلا يرى إلا محاسنها

ومبغض لخصمه ، فلا يرى إلا مساوئه )

وقال تلميذه البار ابن القيم :

( فكان حقيقة التواضع : خضوع العبد لصولة الحق

وانقياده لها

فلا يقابلها بصولته عليه )

وإلى صارف آخر إن شاء الله

من : الصوارف عن الحق .

سبحان الله وبحمده*** سبحان الله العظيم

الصوارف عن الحق .. ما شاء الله درر 882380176

اسالكم الدعاء لي بان يفرج الله همي

الصارف الثالث عشر : خلطة أهل الباطل

الخلطة شأنها كبير في التأثير على أخلاق المُختلط بهم وعاداتهم

وعقائدهم ولا أقول إن الإنسان يتأثر بمن يُخالطهم من البشر

بل إنه يتأثر حتى بالبهائم إذا خالطها ، ويقتبس شيئا من طباعها

فالغلظة في أهل الإبل ، وأهل الغنم فيهم السكينة

ولم يُبعث نبيٌّ قط إلا كان راعيا للغنم

ومن أجل هذا قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :

" إن النفوس تتأسى بما تُشاهده من أحوال بني الجنس "

وإذا كانت النفوس تتأسى بما تُشاهده من أبناء الجنس

فإن هذا المؤثر يزداد مع رؤية النظراء والأقران

وقد ذكر ابن الحاج تأثير خلطة المسلمين للنصارى بمصر فقال :

" النفوس تميل غالبا إلى ما يكثر ترداده عليها

ومن هاهنا ــ والله أعلم ــ كثر التخليط على بعض الناس في هذا الزمان ــ القرن التاسع الهجري ــ

لمجاورتهم ومخالطتهم لقبط النصارى ــ مع قلة العلم والتعلم ــ

فأنست نفوسهم بعوائد من خالطوه ، فنشأ من ذلك الفساد

وهو أنهم وضعوا تلك العوائد التي أنست به نفوسهم موضع السُنن "

ومن أجل تأثير الخلطة جاء الشرع بالحمية من مخالطة أهل البدع وأهل الفساد ، قال تعالى :

"و َقَدْ
نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ
يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ

مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ

الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً " [النساء : 140]

وقال عز من قائل :

" وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ

وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " [الأنعام : 68]

والشخص إذا جالس أهل الباطل سرق من أخلاقهم

لأن الطبع لص ، وأورثته مجالسهم التزام أقوالهم الفاسدة وطرائقهم

الكاسدة في الاستدلال حتى يصير بعد ذلك واحدا منهم

قال ابن القيم رحمه الله :

" إن العبد إذا اعتاد سماع الباطل وقبوله أكسبه ذلك تحريفا للحق

عن مواضعه "

فحذار ثم حذار من مصاحبة أهل الباطل

فإن مجالستهم تُمرض القلب لما يرد على القلب من سماع أهوائهم

وشبهاتهم المضلة وشهواتهم الهالكة وهكذا يخبو نور الإيمان من

القلب بعد أن كان مشرقا بنور الكتاب والسنة

قال ابن القيم رحمه الله :

" وكم جلبت مخالطة الناس من نقمة ، ودفعت من نعمة

وأنزلت من محنة ، وعطلت من منحة

وأحلت من بلية ، وأوقعت في بليَّة ؟!

وهل آفة الناس إلا الناس ؟

وهل كان شيءٌ أضر على " أبي طالب " ــ عند الوفاة ــ

من قرناء السوء ؟

لم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمة واحدة

تُوجب له سعادة الأبد "

اللهم اعصمنا من قرناء السوء

وسهل لنا رفقة صالحة تدلنا على الحق وتثبتنا عليه

وإلى صارف آخر من الصوارف عن الحق

إن شاء الله .

سرد ما سلف من الصوارف في موطن واحد
تيسيرا على من لم يطلع عليها من إخواننا.

الصارف الأول : ( الجهل )

الصارف الثاني : ( قلة الفهم وضعف الإدراك )

الصارف الثالث : ( النشأة والإلف والعادة )

الصارف الرابع : ( الذنوب )

الصارف الخامس : ( كثرة أهل الباطل )

الصارف السادس : ( التزام أصول فاسدة وسلوك طريق غير هادي )

الصارف السابع : ( التقليد الأعمى )

الصارف الثامن : (الكِبر )

الصارف التاسع : ( الاعتقاد ثم الاستدلال )

الصارف العاشر : ( حِيَل أهل الباطل )

وكانت لنا وقفات مع هذا الصارف ( فمما وقفنا عليه )

من حيلهم : ( الكذب )

ومن حيلهم : ( الشناعة على الحق وأهله )

ومن حِيَلهم : ( إخراج الباطل في قالب الحق )

ومن حِيَلهم : ( استعمال المجمل )

الصارف الحادي عشر : ( تقاعس أهل الحق )

الصارف الثاني عشر : ( العُجب )

الصارف الثالث عشر : ( خلطة أهل الباطل )

الصوارف عن الحق .. ما شاء الله درر Download

الصارف الرابع عشر : ( حـُب الجـاه والرئاسـة )

*** النفس لا شك أن لها إرادات مذمومة ، من حب الدنيا و طلب العلو و منافسة الخلق

و طلب الجاه الى غير ذلك مما يذم شرعا

و طبيعة الإنسان الظلم و البغي

قال تعالى : ( إنه كان ظلوما جهولا )

وقد تقع أسباب تهيج هذه المكامن ، فيظهر خبأ هذه النفوس الذي كان كامنا بسبب الهوى

فيرد العبد الحق مع علمه به اتباعا للهوى ، و طلبا لبقاء جاهه ، أو تحصيلا لعرض الدنيا

فتجد أمثال هؤلاء يخالفون الحق مع علمهم به ، طلبا لعرض الدنيا

ثم هم مع هذا يظهرون أنهم ينتصرون للحق

** قال أبو الوفاء علي بن عقيل الحنبلي :

( المحبة للرئاسة ، و الميل الى الدنيا و المفاخرة و المباهاة بها

و التشاغل بما فيه اللذة و ما يدعو الى الشهرة دون ما توجبه الحجة و يقضي به العقل و المعرفة

فعلى نحو هذا من الأسباب تكون الآفة الصارفة و الموجبة منه )

** وقال شيخ الاسلام ابن تيمية :

( وطالب الرئاسة ولو بالباطل ترضيه الكلمة التي فيها تعظيمه وإن كانت باطلا

وتغضبه الكلمة التي فيها ذمه وان كانت حقا

والمؤمن ترضيه كلمة الحق له وعليه ، وتغضبه كلمة الباطل له وعليه

لأن الله تعالى يحب الحق و الصدق و العدل ، و يبغض الكذب و الظلم )

** وقال الشيخ صالح بن المهدي المقبلي :

( ما وجدنا الخلاف إلا في محل قد تبين الحق فيه

أدلى المخالف للحق بشيء لا ينبغي الإسناد اليه

فهو إنما جعله صورة ، و الحامل الحقيقي البغي لنيل حظ دنيوي )

** وقال العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ ـ رحمه الله ـ في أصناف المعارضين للحق :

( الصنف الثاني : الرؤساء أهل الأموال ، الذين فتنتهم دنياهم و شهواتهم

لأنهم يعلمون أن الحق يمنعهم من الكثير مما أحبوه و ألفوه من شهوات الغي

فلم يعبأوا بداعي الحق و لم يقبلوا منه )

*** و من ترك الحق ، وانصرف عنه لجاه أو لمال ، ففيه شبه من اليهود

فإن علماء بني إسرائيل كانت لهم مأكلة على أغنيائهم

فلما بعث نبينا محمد ــ صلى الله عليه و سلم ــ عرفوا أنه الحق فأنكروه وكفروا به

وكتموا ما عرفوا عن بني إسرائيل من أجل الجعل الذي جعله أغنيائهم لهم

فكتموا الحق حتى يبقى لهم هذا الحظ من المال

** قال أبو المظفر السمعاني ــ رحمه الله ــ في تفسير قوله تعالى :

( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا )

ذلك أن علماءهم وأحبارهم كانت لهم مأكلة على أغنيائهم وجهالهم

فخافوا أن تذهب مأكلتهم إن آمنوا بمحمد – عليه الصلاة والسلام –

فغيروا نعته وكتموا اسمه ، فهذا معنى بيع الآيات بالثمن القليل )

*** والجاه وحب الشرف والسؤدد هي التي حملت جماعة من أشراف العرب

على الكفر بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومحاربته ومعاداته

مع علمهم وإقرارهم بصحة ما يدعو إليه

** قال المسور بن مخرمة – رضي الله عنه – لأبي جهل – وكان خاله :

أي خال ! هل كنتم تتهمون محمدا بالكذب قبل أن يقول مقالته التي قالها ؟

قال أبو جهل : يا ابن أخي !

والله لقد كان محمد فينا – وهو شاب – يدعى الامين

ما جربنا عليه كذبا قط

فلما خطه الشيب لم يكن ليكذب على الله

قال : يا خال ! فلم لا تتبعونه ؟

قال : يا ابن أخي ! تنازعنا نحن وبنو هاشم الشرف

فأطعموا وأطعمنا ، وسقوا وسقينا ، وأجاروا فأجرنا

فلما تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان ، قالوا منا نبي ، فمتى تدرك هذه؟!

[ مفتاح دار السعاده ] 1/93

** وقال شيخ الاسلام ابن تيمية :

( وأبو طالب وإن كان عالما بأن محمدا رسول الله وهو محب له ، فلم تكن محبته له محبة لله

بل كان يحبه لأنه ابن أخيه ، فيحبه للقرابة

وإذا أحب ظهوره فلما يحصل له بذلك من الشرف والرئاسة

فأصل محبته الرئاسة ، فلهذا لما عرض عليه الشهادتين عند الموت

رأى أن بالإقرار بهما زوال دينه الذي يحبه

فكان دينه أحب إليه من ابن أخيه فلم يقر بهما )

** وقال الشوكاني :

( وقد يترك التكلم بالحق محافظة على حظ قد ظفر به من تلك الدولة من مال أو جاه

وقد يترك التكلم بالحق الذي هو خلاف ما عليه الناس

استجلابا لخواطر العوام ومخافة من نفورهم عنه

وقد يترك التكلم بالحق لطمع يظنه ويرجو حصوله من تلك الدولة

أو سائر الناس في مستقبل الزمان )

وإلى صارف آخر من الصوارف عن الحق .

يارب كل شيءٍ
بقدرتك على كل شيءٍ
اغفر لي كل شيءٍ
حتى لا تسألني عن شيءٍ.

نقل ابن كثير في البداية والنهاية، في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل، رؤيا
طويلة رأها محمد بن خزيمة الإسكندراني للإمام أحمد بعد وفاته، جاء فيها أن
الرب تبارك وتعالى قال فيها لأحمد: " يا أحمد: ادعني بتلك الدعوات التي
بلغتك عن سفيان الثوري وكنت تدعو بهن في دار الدنيا، فقلت ..." وذكر
الكلمات أعلاه، أسأل الله أن يجعلنا ممن يدعوه سبحانه بهن في دار
كرامته.آمين آمين.

» كتاب أسئلة قادت شباب الشيعة إلى الحق للشيخ الفاضل سيف الحق سليمان بن صالح الخراشى(حفظه الله)
» النائب / الشيخ رزق حسان ، عضو حزب النور عن دائرتنا ، يسرد مشاكل المنطقة ، وفقه الله ، وسدد على الحق خطاه
» من أرضى الله بسخط الناس كفاه الله، ومن أسخط الله برضى الناس وكله الله إلى الناس
» توكل علي ربنا واثبت علي الحق وانت مرتاح
» الكتاب: The Religion of Truth - دين الحق